الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

"أستاذ دكتور".. بربع جنيه!!

السبت 29/يونيو/2019 - 03:04 م

العلاوة الدورية السنوية لمن يشغل درجة (مساعد أستاذ) هي ستة جنيهات مصرية لا غير، فإذا جد واجتهد، وقام وقعد، وأمضى خمس سنوات في عناء وكَبد، وتقدم للترقي لدرجة أستاذ – وهي نهاية درجات الترقي العلمية – قفزت علاوته السنوية الدورية من ستة جنيهات إلى ستة وربع !!!!! ( هذا نص قانون تنظيم الجامعات المعمول به حاليا من 1972 !!! ]، وهذا الوضع سائد في مصر من نصف قرن تقريبا توالت فيه الحكومات، وتعددت فيه الطروحات، وتغيرت أسعار العملات، وتأخرت المعارف وتطاولت النكرات، ولم يخطر ببال أحد أن يلتفت إلى هؤلاء البائسين الذين تلفعوا بالاستعفاف، ونفروا من الاستجداء، ورفضوا الابتزاز طوال خمسين عاما، وهم على الفقر صابرون وبالعفة مستمسكون..


وليت الحكومات المتعاقبة اكتفت بتجاهلهم، وإهمالهم، ونبذهم عمدا، خلافا لكل فئات المجتمع التي يحق لها اختيار من يقودها ويمثلها إلا أساتذة الجامعات لأنهم قاصرون فإن الحكومة وهي ( الرشيدة !!) وصية عليهم في شرعها وليس في شرع الله، فهي تختار لهم قياداتهم في مناصب الجامعة جميعها، حتى لا يسيئوا الاختيار لأنهم قاصرون عابثون لا يفرقون بين الألف وكوز البوظة!! وهي لا تتدخل في شؤونهم بتعيين قياداتهم فقط، ولكنها تبث عيونها بينهم إذا قاموا وإذا قعدوا وإذا هموا بما لم ينالوا، وتبث عيونها بين الناشطين منهم خاصة، لكي تحول بينهم وبين أنفسهم إذا أرادوا بأنفسهم شرا وهم لا يشعرون!!


وهي لا تكتفي بالتدخل في شؤونهم بتعيين قياداتهم، وبث عيونها بينهم، ولكنها تنتقي منهم أزلاما وأصناما تربيهم في زرائبها، وتصنعهم على عينها ، ممن لهم سابقة في الخبص والدس والإيقاع والإبلاغ، فتتخذ منهم قادة للقمع، وسادة للردع، وكروشا للبلع، وعمداء للصفع (كما حدث في إحدى جامعات الدلتا)، وباسم تطوير القدرات، وتنمية المهارات، وتفتيح المستفتحات، وتغليق المستغلقات، يمكن القول بأن الثعلب – والله أعلم – فات !!!


وقد نشرت الصحف المستقلة عن الحكومة يوم الخميس 22/11/2007 نبأ وقوف نحو ثمانمئة أستاذ تخطوا السبعين في نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة وقفة احتجاجية تقلصت مطالبهم فيها بتحسين أحوالهم المعيشية ومنحهم أجر خمسين يوما مكافأة !! وإشراكهم ( والعياذ بالله من الشرك والإشراك ) في التدريس!!.
 

تلك أمانيُّهم الصغيرة، وتلك هي مطالب صفوة الصفوة ونخبة النخبة!! لم يخطر ببالهم أن ينددوا بتزوير أية انتخابات طلابية لأن منهم – وليسوا جميعا - الذين سنوا التزوير حين كانوا في مواقعهم ومارسوه سنين عددا، ولم يخطر ببالهم أن يدافعوا عن الفقراء الذين تنكل الحكومة بهم وبآبائهم برفع المصروفات الجامعية إلى حد التعجيز الحقيقي عن مواصلة التعليم، في الوقت الذي تُعفِي فيه معظم الجامعات العربية والعالمية طلابها من الرسوم إعفاءً تاما أو جزئيا. ولم يخطر ببالهم أن ينددوا بتزوير أية انتخابات نيابية أو غير نيابية ، لأن أكثرهم عاشوا يحلمون بيوم ترضى فيه الحكومة عنهم فتتخذ منهم وزراء ووزيرات وسفراء وسفيرات ، ومحافظين ومحافظات ، فرضخوا ونخُّوا ورضُوا بأن يكونوا مع الخوالف فأذاقهم الله لباس الذل والجوع والخوف والخنوع..


كل ذلك شهدوه ولم يحرك منهم ساكنا ولعل أحدا منهم لم يفكر فيه قط، ولعل أحدا منهم لم يعلِّم طلابه كيف يجب عليهم أن يثوروا لتلك الأراضي المنهوبة، ولعل بعضهم علَّم طلابه أن يخوروا لا أن يثوروا فهيأ لهم من الرحلات الماجنة والسهرات الآمنة ما تقر بهم أعينهم، وتسكن به " ثوراتهم !! " ، ليطلبوا العلم بعدها وهم هادئون!! لست – ولم أكن يوما – متعاطفا مع أولئك السبعينيين الذين يثورون – الآن - وهم في سن اليأس على أوضاع هم صنعوها وشاركوا فيها بالفعل أو بالصمت . فليقفوا احتجاجا إن شاؤوا ، أو فليقعدوا انتظارا إن شاؤوا ، فلن يسمع بوقوفهم ولا بقعودهم أحد ، ولن تجيرهم حكومة بلَتْهم فأحسنتْ بلاءهم ، وعلمت منهم مَنْ وافقها ومن نافقها ومن " رافقها " !! ، وستتخذ من أولئك (الرفاق) القدامى سيوفا تقطع بهم رقاب إخوانهم ممن يشاركونهم ( الآن !! ) الوقوف ، فهذه سياستها ، وذلك ديدنها ، وتلك شنشنتها التي اصنعتْها مع القضاة ، فقرَّبتْ منهم بعض السبعينيين فيما اسمته لجان التصالح ومحاكم الأسرة ، لتضرب بهم المتشددين من زملائهم..


ولست – ولم أكن يوما – متعاطفا مع أولئك السبعينيين الذين يثورون وهم في سن اليأس بعد أن رأيتُ بعضهم يسكتون على سرقات علمية ، ورأيت بعضهم يبيعون الدرجات العلمية بيعا ، ورأيت بعضهم يبيعون الترقيات العلمية بيعا ، ورأيت بعضهم يرى نفسه إلها صغيرا فيُعِزّ ويُذِل من طلابه ، ويخفض ويرفع من مرؤوسيه ، حتى إذا خَلَتْ به الحكومة أو خلا بها رأيناه يسقط ويركع ، ويسجد ويذل ، ويعطِّر بروائح أحذية صغار المخبرين والمرشدين وجهَه الوقور ، ورأيت بعضهم يسرق رسالة طالب فقير فيهديها  فيرتقي حتى يصبح نجما يلمع لحظاتٍ ، ثم يخور ويحور ، فيأفل، فيسقط في مزبلة التاريخ ، مخلِّفاً وراءه كلَّ ما اجترح من سيئات وكل ما اقترف من آثام ، وتاركا لتلاميذه أسوةً عفنة وقدوةً نتنة.. قفوا يأساتذتنا أو اقعدوا فقد ذبحتم أنفسكم حين سكتٌّم عن علاوة ربع الجنيه نصف قرن!!