الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

تراجع أدوار المعلمين فى أداء رسالتهم كيف بدأ ؟

الثلاثاء 12/مايو/2020 - 12:21 ص

 

كيف بدأ تراجع أدوار المعلمين فى أداء رسالتهم ؟

كيف دَالَتْ دَوْلَةُ عِزَّة المدرسة أو كادت أن تَدُول ؟

كيف شارك الإعلام فى إنزال منزلة عزة المدرسة ؟

إن الإجابة عن ثلاثة أسئلة ــ هى ما ذكرنا ــ يفرض عرض المقدمات التى أدت

 

إلى ما آلت إليه حال التربية والتعليم فى المراحل التى تمهد للتعليم الجامعى الذى

 

تأثر ــ طبعا ــ بكل تلك المؤثرات التى جاءت مع وزير التربية والتعليم الأسبق ،

 

بحقبة الثمانينات ؛ فقد شرع يفتح أبوابا يلج منها كل ذى تهافت إلى الكشف عن

 

سوء أدب ومسترذل طبع، فيرسم رسام صحيفة معلما على هيئة حيوان خرافى،

 

تغطى جسمه أشواك ، ويكتب ما يروق له من سفيه النعوت ،يصبها صبا على

 

رأس كل معلم ، ويكتب كاتب صحفى ــ كذاك الذى كتب يوما؛ يسخر من أى

 

معلم بالتعليم الابتدائى، إذ يعنون مقالا له حول " النادى الأهلى ومدربه " ، ذلك

 

المدرب الذى لا يراه الأستاذ الصحفى عبد الرحمن فهمى إلا أنه"مدرس

 

ابتدائى"فعنوان مقالته كان"مدرس ابتدائى يحاضر بالجامعة"؛ يعنى أن مدرب

 

النادى الأهلى الجديد ـ آنذاك فى نظره ـ قليل العلم ضعيف المعرفى، فكذلك التعليم

 

الابتدائى؛ معلمه قليل العلم محدود المعرفة، أدنى من أن يرقى إلى درجة ينبغى

 

تقديرها بقيمة ذات بال .

 

وتبلغ السخرية مداها منا كل مبلغ ؛ إذ نادانا سكرتير بالمدرسة :" يا أستاذ محمد ،

 

يا أستاذ محمد ، شوف الجرنان " ، وحين ألتفت إليه مندهشا ، لتلهفه ؛ رغبة منه

 

فى أن أسارع إلى إجابته ، فأنا وقتذاك كنت وكيل مدرسة ، وكنت مكلفا بإدارة

 

مدرسة النصر ، بشبين القناطر، قليوبية ، وقد طوَّرْتُها بما يليق بها ، لتكون لجنة

 

امتحانات عامة ، وفتحت بها مكتبة عامة للإدارة التعليمية ، واستقبلت فيها ، بأحد

 

مكاتبها توجيه التربية الاجتماعية ...

 

أطلعنى السكرتير وهو يضحك ساخرا سخرية تنتقص ما تنتقص ، فاندفعت مكلِّفا

 

عاملا بأن يذهب، فلا يعود إلا ومعه جريدة" الجمهورية " التى بها تلكم السخرية .

 

وكانت سعادتنا كبيرة برئيس تحرير " الجمهورية " آنذاك ؛ فقد استقبل ردنا على

 

الصحفى الأستاذ عبد الرحمن فهمى ونشره بموضع ما نشر فيه الرجل سخريته

 

من المدرب ، ومن "مدرس الابتدائى"، لكن هل توقفت الإساءات إلى المعلمين

 

بالصحف والمجلات ؟ كلا .

 

بل إن الأستاذة الإذاعية / عطيات غريب ــ حين كانت مذيعة بإذاعة الشعب ــ

 

قالت لنا يوما، إذ طلبنا منها ألا تكون تسجيلاتها معنا من نادى الأدب، وكفى ،

 

بل نرى التوسعة ببسط بعض منجزاتنا بمدرستنا على الأقل،... قالت : لا لا ،

 

مستحيل؛ إذا كانت الأستاذة آمال فهم وهى وكيل وزارة، أمرها صفوت الشريف

 

بعدم تسجيل أى حوار ببرنامجها " على الناصية " مع أى معلم قائلا:" مشكلات

 

المعلمين كثيرة، خليها مقفول عليها" .

 

ولم تأت السخرية من المعلمين فى مراحل ما قبل التعليم الجامعى زمن الدكتور/

 

فتحى سرور ابتداءً ، بل جاءت مقدماتها فى أعمال سينيمائية ومسرحية كثيرة ،

 

يعرفها الكل متلقين ومتابعين .

وبلغ مؤدَّى ذلك ذروة تأثيره فى عهد وزير التربية والتعليم الذى خلفه ؛ فقد قال يوما :

"غافلنا المعلمين، فغافلونا"، وكان ذلك فى موجات مساعى معاليه إلى التصدى للدروس

الخصوصية . فبلغ الأمر أن من فى الوزارة والمعلمين يغافل بعضهم بعضا ، حسب قول

معالى وزير التربية والتعليم .

 

كان ما تقدم بعضا قليلا مما عاصرناه ، أردنا به استدلالا على حال بدأت تنتشر

 

رائحتها غير المرغوب فيها ، لتؤدى إلى ما بعدها ، فكان أن قابل ضعاف الأنفس

 

من المعلمين عواصف السخرية بالبلادة المتدرجة ، التى بلغت ذروتها فى طردِ

 

جُلِّهِم طُلابَ مدارسهم الثانوية من حجرات الدراسة ، فغدت المقولة الأثيرة التى

 

يطردون بها الطلاب : " قُومُوا ، رَوَّحُوا ؛ أيه اللى جابكم ؟ !! " .

 

ألا ، بدأت حجرات الدراسة تخلو من الطلاب فى مدارس التعليم الثانوى العلم ،

 

وعضد خلوها عدم فصل الطلاب بسبب الغياب ، ثم قرارات " بررت فوضى

 

الانتظام الدراسى" من عدمه بالتماس أعذار وتسبيب أسباب ، وصار " الدرس

 

الخصوصى " مقر الحضور الطلابى فى المدارس الثانوية ، ثم انتقلت عدوى

 

الثانوى العام إلى الندارس الإعدادية .

 

لقد تحول دور المدرسة من حاضنة مربية إلى " إدارة مالية وإدارية " ، تحوى

 

سجلات ، وتحفل بإداريين ، يشاركون مديرى المدارس العزلة ؛ تخفيفا عنهم ،

 

وتقليلا من حدة طول أوقات الصمت والتلفت إلى الجدران و"الدواليب والمكاتب،

 

والكراسى ؛ الفارغة غير المجلوس عليها"، فلا صلة للطلاب بالمدارس إلا عند

 

"تقديم أوراق الالتحاق، والامتحانات، وتسلم الأوراق بعد انتهاء المرحلة المسماة

 

بالدراسية بالنجاح أو الفصل؛ لتجاوز سنوات الرسوب" .

 

هذا مختصر حول"المدرسة والطلاب" ، أما التعليم والتعلم فنوجزه فى سطور .

 

قولنا " التعليم والتعلم" استعانةٌ بمصطلح ، مفاده أن"التربية " قد تنحت؛ بتنحية

 

المدرسة عن مشهد ما فى المحلوم بها رحابات، ينبغى بناء الأبناء فيها، بأيد يقال

 

لهم خبراء ومن يزعم الزاعمون بأنهم ساسة تربويون .

 

ألا يتضاعف هم المعلم بفعل طول عهده بالصبر فى صمت مفروض فرضا ،

 

بل يزيد أضعافا مضاعفة كلما صدمه المثال الذى حفزه أول عهده بالشباب ليكون

 

بناء أجيال؟

 

أما شاهد المبدع السينيمائى ممثلا يقول للمبدع زميله أحد رواد المسرح والسينما:

 

"... إنت مدرس لغة عربية ؟! يعنى ضليع فى اللغة العربية ؟!! يعنى تعرف ...

 

و...، وما انفك وما انْحَلَّ ؟!" ثم يشرح المشهد كيف أن كلب والد التلميذ يتكلف

 

كذا ، وكذا، وكيت وكيت ؛ كى يبقى الكلب كلبا مُعتَنى به صحيح الصحة والجسم

 

والمزاج ، ويوازن بين حاله معلما درس ما درس، وتحمل ذاكرته من الهموم فى

 

حينه أضعاف ما يعطيه واقع وظيفة ومستوى عيش، هو عرضة فيه ــ بمثال يعبر

 

عن فقر بل عُدم نجيب الريحانى مؤديا دور معلم كَلٍّ ــ لا يكاد ينال نصف أو ربع

 

ما يحظى به كلب عند" ولى الأمر؛ أبى التلميذ"، فيكأب ذلك اليوم الذى حَلُمَ خلاله

 

أن يكون معلما ، ويأتى بعد ذلك حال المبدع فؤاد المهندس ، ليعبر عن حال كحال

 

نجيب الريحانى؛ إذ يُخرجه المبدع الكبير حسن عابدين ــ فى دور صاحب المدرسة

 

الخاصة، إذ يؤدى فؤاد المهندس دور معلم اللغة العربية بمدرسته ــ كى يشترى له

 

" رطل لحمة، ووقة ملوخية ورقها عريض ومرعرعة، ورتل جاز لبجور الجاز"،

 

فيسأل فؤاد المهندس:" والتلاميذ يا حضرة الناظر؟ " فيجيبه:" آهوووم متلأحين"!

 

ويصبر فؤاد المهندس ــ بحسب دوره ــ على" غَتاتة " الناظر ، ويعبر عن غيظه

 

وجهه الذى يقرأه زميله المبدع حسن مصطفى، فيستصبره؛ لأن" أكل العيش مر".

 

ويتتابع فى الواقع تحقُّق المِثالِ المُبالَغ فيه فى السخرية من المعلم ، فيما هو فى

 

" مدرسة المشاغبين"، ليؤكد ما سبق فى فعل يتم بثه امتهانا للقيم التى تغياها معلم

 

كان حلمه الأثير أن يلقى تقديرا يحفزه على مزيد من العطاء الذى كان يمنى به

 

نفسه عهدَ شبابه الأول؛ فهو ممنوع من الكتابة فى الصحف أو التحدث فى الإعلام

 

عن أى شىء بواقعه الوظيفى إلا بتصريح من رئيسه الأعلى، وأنى له التصريح ،

 

وحاله فيض من الهموم ووابل من السخرية منه لا ينطفئ أوارا، ولا يُكَفُّ عنه ما

 

يعانيه! فلذلك ضعف عزم أقواء، وفترت همم أسوياء .

 

فإن نظرنا إلى زمن السبعينات وما قبلها بالقرن المنصرم بكتب الدراسة رأيناها

 

تزخر بما يحسن به بناء جيل مثقف، تتنوع مباحث دراساته، فى مراحل ما قبل

 

التعليم الجامعى؛ فلعلم النحو كتابان فى المرحلة الابتدائية يتسلمهما تلاميذ الصفين:

 

الخامس ، والسادس ، ولعلم النحو والصرف كتابه فى مقررات اللغة العربية لكل

 

صف بالمرحلتين : الإعدايدية ، والثانوية ، ينضاف إليها كتاب النحو والصرف ،

 

يتسلمه تلميذ الصف الأول الثانوى، كى يتزود منه فى الصفوف الثلاثة بالمرحلة

 

الثانوية العامة، ويقاس على ذلك ما أمثلته فى دراسة علم التاريخ " دراسة طولية ،

 

وأخرى عرضية"بالمرحلة الثانوية، فإن عدنا إلى التعليم الثانوى الفنى إلى ستينات

 

القرن الماضى رأينا"مقدمة ابن خلدون" ملحقة بمقررات اللغة العربية وآدابها .

 

فماذا عما بكتب الدراسة الآن ؟ !!

 

وبماذا نفسر ضعف مستويات التعليم فى بلادنا العربية ؟

 

أما كان منوطا بمصر وسوريا تأليف كتب الدراسة لبلاد العربية ، حتى مشارف

 

نهاية القرن المنصرم؟ لماذا؟ أما كانت الدولتان رائدتى التثقيف والتنوير عربيا ؟

 

أما كانتاءة الكتب فى شتى المعارف من خير الزاد عربيا ؟!!

 

أين لبنان ، وطباعاتها الفاخرة ، وصحافتها التى كانت قدوة ، وكانت

 

تعلمنا ؟!!!

 

ألا للقول ما بعده إن شاء الله .

 

والله المستعان .