الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

لماذا يثور سود أمريكا ؟!

السبت 13/يونيو/2020 - 02:22 ص

"شعور مخيف ومروع حينما تعتقد أنك فى أمان وكل شىء على ما يرام، وبعد ذلك ينهار كل شىء ويبدأ الهجوم عليك "

العبارة السابقة قالتها سيدة أمريكية سوداء تدعى تينياتا ريد حينما ذهبت هى وزوجها وأولادها الثلاثة للتظاهر عند قاعدة جسر مانهاتن فى بروكلين بنيويورك احتجاجا على مقتل المواطن الأمريكى من أصول إفريقية جورج فلويد على يد شرطى أبيض يوم 25 مايو الماضى، فى مينيا بوليس بولاية مينسوتا، وفوجئت الأسرة بالقمع الشديد الذى مارسته عناصر الشرطة ضد المتظاهرين.

 

العبارة السابقة جاءت فى إطار تقرير لمجلة تايم يوم الخميس قبل الماضى، وهى تكشف إلى حد كبير الأسباب التى جعلت الاحتجاجات تنتشر فى أكثر من 250 مدينة أمريكية و23 بلدا خارجيا.

 

عدد كبير من المراقبين والمحللين يركزون على أسباب مختلفة للاحتجاجات مثل العنصرية التى ما تزال متأصلة فى المجتمع الأمريكى بصور مختلفة، والتى تزكيها سياسات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب. هذا سبب جوهرى لا شك، لكن لا يمكن إغفال الجانب الاقتصادى والاجتماعى الذى يراه المزيد من الخبراء والمعلقين أحد الأسباب الجوهرية التى دفعت مئات الآلاف من الأمريكيين للنزول للاحتجاج فى الشوارع رغم خطر إصابتهم بفيروس كورونا.

 

ما قالته تينياتا ريد فى تقرير التايم تكرر فى روايات العديد من الأمريكيين السود الذين تحدثوا لوسائل الإعلام أو كتبوا شهاداتهم على وسائل التواصل الاجتماعى.

 

الذين احتجوا،شعروا بالإهانة نتيجة للطريقة الوحشية التى مات بها جورج فلويد، لكن كل منهم كان يبكى ويحتج على ظروفه الخاصة لكونه أسود البشرة فى مجتمع يتحدث كثيرا عن الفرص وحلم الثراء، فى حين أن الواقع المرير يكذب العديد من هذه الشعارات.

 

طبقا للإحصائيات المتداولة بكثرة على العديد من المواقع الكبرى فإن الأمريكيين الأفارقة يشكلون 12٪ من السكان، وبعد انتشار كورونا تبين أنهم يمثلون 26٪ من حالات الإصابة بالفيروس، ونحو 23٪ من الوفيات طبقا لما جاء فى بيانات مركز السيطرة على الأمراض.

 

من البيانات ذات الدلالة المهمة، والتى يمكن أن تفسر لنا أحد أسباب هذه الاحتجاجات العارمة، أن 44٪ من الأمريكيين السود يقولون إن أحد أفراد أسرتهم فقد وظيفته أو تم تخفيض أجره بسبب تداعيات كورونا، وأن 73٪ منهم لم يحصلوا على المساعدات المادية.

 

وفى تقرير مهم للموقع الإلكترونى لجريدة «الشرق الأوسط» جاء فيه: إن الاحتجاجات مثّلت نقطة الانهيار، ليس فى مكافحة عنصرية بعض أجهزة الشرطة، ولكن فى مكافحة فيروس كورونا. المتظاهرون لم يخاطروا فقط بمواجهة عنف الشرطة، ولكن بحياتهم أيضا.

 

إحدى المتظاهرات قالت: خوفى من أن تقتلنى الشرطة أكبر بكثير من أن يقتلنى الفيروس، ونحن نقتل فى الحالتين سواء بسبب الشرطة أو الفيروس.

 

إحصائيات العام الماضى تقول إن 38 مليون مواطن أمريكى يعيشون تحت خط الفقر، والنسبة ترتفع بين الأقليات بصورة كبيرة. هناك 12 مليون طفل أمريكى أسود ــ أى سدس الأطفال الأمريكيين ــ يعيشون تحت خط الفقر، والسود يشكلون النسبة الأكبر من المشردين، وعددهم 553 ألف شخص، والنسبة الأكبر من الذين يفتقدون التأمين الصحى وعددهم 30 مليون أمريكى، وهم النسبة الأكبر فى عدد من تم تسريحهم بسبب تداعيات فيروس كورونا وبلغ عددهم 42 مليون شخص حتى يوم الخميس قبل الماضى، منهم 1.8 مليون شخص انضموا للعاطلين فى أسبوع واحد، وحينما نعلم أن معدل البطالة يتوقع أن يقفز إلى 20٪ على المستوى القومى والنسبة الأكبر للعاطلين من السود والأقليات، قد نفهم سر الغضب الأكبر فى شوارع الولايات المتحدة.

 

ويضاف إلى الجانب الاقتصادى جانب اجتماعى مهم، فطبقا لاستطلاع رأى جرى عام 2018 فهناك واحد من كل عشرة أمريكيين أقر بأنه يحمل تمييزا ضد الأمريكيين من أصل لاتينى «هسبانك»، وواحد من كل أربعة أشخاص يحمل تمييزا ضد العرب الأمريكيين، و17٪ من الأمريكيين يعارضون الزواج من المجموعة العرقية الأخرى، و18٪ يعارضون الزواج من السود، و17٪ يرفضون الزواج من البيض، و15٪ يرفضون الزواج من الهسبانك.

 

النموذج الأمريكى متقدم جدا عسكريا وتكنولوجيا وربما اقتصاديا، لكن الأحداث الأخيرة كشفت أنه شديد التخلف والهشاشة إنسانيا واجتماعيا وحقوقيا.