لمصلحة الطالب والجامعة
مع بدء موسم تنسيق الجامعات وتلافيا للمشاكل التى حدثت فى العام الماضى، قد يكون من المفيد تطبيق نفس نظام تنسيق الجامعات الحكومية على الجامعات الخاصة والأهلية. إن فلسفة هذا النظام تقوم على فكرة العرض والطلب أو بمعنى آخر مؤشرات رغبات الطلاب فى شغل الأماكن المتاحة بالكليات وعلى أساس ذلك يعلن عن الحد الأدنى للقبول بكل كلية.
وهذه الطريقة من وجهة نظر الخبراء عادلة سواء للجامعات الخاصة والأهلية لشغل جميع الأماكن بها وأيضا للطلاب لتحقيق رغباتهم، لكن ذلك لم يحدث، وتم تحديد تنسيق القبول بهذه الجامعات بشكل نظرى وبمعدلات درجات مرتفعة، لا تتناسب مع شرائح مجاميع الطلاب، واضطرت الجامعات إلى قبول أعداد قليلة حددها تنسيق تجاهل المعدل العام لدرجات الناجحين، فكانت النتيجة حرمان الطلاب من الالتحاق بالكثير من الكليات، بينما مقاعد تلك الكليات شاغرة، فقد كان علينا أن نتعرف أولا على العدد الكبير من الجامعات التى جرى افتتاحها، والتى تتيح قبول أعداد أكبر من الطلاب، فلدينا هذا العام 27 جامعة حكومية، و47 جامعة خاصة وأهلية، و13 جامعة دولية أو جامعات أنشئت باتفاقيات دولية، و10 جامعات تكنولوجية.
ورغم هذا التطور الكمى والنوعى فى عدد الجامعات فى مصر، والتى تعدنا بجيل على أعلى درجات التأهيل العلمى، المواكب للتطور التقنى وطرق التدريس والتدريب فى العالم، بما يغذى سوق العمل بالمهارات والكفاءات العلمية التى ترفع من جودة الإنتاج، المعتمد على جودة التعليم، فإن قواعد القبول فى تلك الجامعات الخاصة والأهلية والدولية والتكنولوجية لم تواكب هذا التطور، أو تتعرف على إمكانات تلك الجامعات الجديدة، وتتيح للطلاب فرص الالتحاق بها، واعتمدت على الطريقة التقليدية والأرقام القديمة لمعدلات الطلاب، والفترة التى كانت فيها معدلات الدرجات متضخمة بشكل مبالغ فيه.
وجرى مؤخرا وضع حد لتضخم الدرجات بطريقة مفتعلة لا تعبر عن جودة التعليم فى المرحلة الثانوية، بل كانت لها غايات سياسية واجتماعية، لإرضاء الطلاب وأولياء الأمور الذى يشتكون دائما من صعوبة الامتحانات، وكانت النتيجة إعطاء الضوء الأخضر لرفع معدل الدرجات لأسباب تتعلق بإرضاء الرأى العام، وليس لأسباب تعليمية، وكان من نتيجة ذلك أن رفع التنسيق معدل درجات القبول فى مختلف الجامعات والكليات، وعند الحد من هذا التضخم المفتعل لمعدل الدرجات، لم تراع قواعد القبول هذا المتغير الجديد، كما تجاهلت ارتفاع أعداد الجامعات والكليات، والذى يتيح استقبال عدد أكبر من الطلاب فى التعليم الجامعى
واضطر عدد كبير من الطلاب القادرين إلى السفر إلى الخارج للالتحاق بجامعات أجنبية، رغم وجود أماكن وتخصصات مماثلة فى الجامعات الجديدة التى أنشئت مؤخرا، فخسر الطلاب الذين سافروا أموالا باهظة كان من السهل توفيرها، وخسر الطلاب الأقل قدرة دخول الكليات التى يرغبون فى الالتحاق بها، واضطروا إلى دخول كليات أخرى، وخسرت الجامعات عوائد كبيرة نتيجة حرمانها من استقبال وتعليم هذه الأعداد الكبيرة من المتقدمين.
السبب فيما حدث هو عدم تحديث البيانات عن عدد الجامعات والكليات المتاحة، والمقاعد المتوافرة للدراسة، وهى قاعدة المعلومات الأساسية التى تحدد عدد المقبولين والمعدلات الدنيا للقبول فى كل تخصص.
وحتى يمكننا فهم حجم الأزمة وسببها حتى نستطيع علاجها وتجاوزها وعدم تكرارها، نورد بعض الأرقام الحاكمة لأعداد المقبولين فى الجامعات، وأهمها معدلات درجات الطلاب، ففى عام 2020حصل 120 ألف طالب على معدل درجات يبلغ 90% فأكثر من شعبتى العلمى علوم ورياضيات، بينما العام الحالى لا يزيد عدد من حصلوا على 90% فأكثر على25 ألف طالب فقط، أى نحو 21% من العدد الذى حصل على 90% فأكثر عام 2020، وإذا أضفنا أن عدد الجامعات الأهلية والخاصة قد ارتفع من 27 جامعة إلى 46جامعة، بارتفاع قدره 170%، ومع انخفاض أعداد الحاصلين على 90% فأكثر بنسبة 79%، وزيادة أعداد المقاعد بافتتاح الجامعات الجديدة، فإن المنطقى هو خفض الحد الأدنى للقبول بنسب تواكب هذه المتغيرات، وهو ما لم يحدث، فكانت الظاهرة الغريبة والمحيرة، والأزمة المزدوجة لطرفى التعليم، بوجود طلاب لا يجدون مكانا، بينما مقاعد الجامعات خالية، ولهذا على مجلس الجامعات أن يبحث سبل تجاوز تلك الأزمة وعدم تكرارها، والاستماع إلى آراء المتخصصين فى علوم البيانات وتحليلها، لتكون أعداد المقبولين متوافقة مع المعدلات العامة للدرجات والمقاعد المتوافرة فى الجامعات.
إن انخفاض معدل الدرجات هذا العام لا يعنى أن الطلاب أقل مستوى عن السنوات السابقة، لكن الانخفاض ناتج عن إعادة الانضباط إلى تقدير معدلات الدرجات، وتحجيم التضخم غير المبرر وغير العلمى، والذى لا يستند إلى جودة المخرجات، وإنما إلى مجاراة ضغوط الرأى العام، والمجاملات غير المبررة فى السنوات السابقة، فالطلاب الحاصلون هذا العام على معدل درجات يتراوح بين 70% إلى 80% يمثلون صفوة الناجحين، ولا يجب معاملتهم بمعايير معدلات الدرجات المتضخمة فى السنوات السابقة.
وإذا كانت الجامعات الأهلية وكثير من الجامعات الخاصة قد بادرت هذا العام إلى طرح كثير من المنح الدراسية المجانية، وتخفيض مصروفاتها مراعاة لظروف الأزمة الاقتصادية العالمية،فإن ذلك يتطلب من القائمين على وضع قواعد القبول دراسة شرائح معدل الدرجات بدقة قبل إعلان الحدود الدنيا ومراعاة النسبة القادرة على الالتحاق بمثل تلك الجامعات بين كل شريحة وأخرى.
أبعاد الموضوع تتضح أكثر إذا علمنا أن الطاقة الاستيعابية للجامعات الخاصة وحدها بعيدا عن الأهلية تتسع لأكثر من 42 ألف طالب من الناجحين فى الثانوية العامة فقط،وإذا كانت التقديرات تشير إلى أن 10% على الأكثر من الناجحين لديهم قدرة تحمل تكلفة الدراسة بتلك الجامعات فإننا فى تلك الحالة نتحدث عن شغل أقل من ربع الطاقة الاستيعابية للجامعات الخاصة ناهيك عما ستقتطعه الجامعات الأهلية من ذلك العدد، فلماذا إهدار طاقات هذه الجامعات وحرمان الطلاب من فرص الالتحاق بالكليات التى يرغبون الدراسة فيها؟
إذن علينا كمجتمع وكوزارة أن نتقبل إعادة النظر فى الحدود الدنيا للكليات الخاصة، لأنه من الطبيعى إذا كانت كليات الطب الحكومية ستقبل هذا العام الحاصلين على 91% أو أقل قليلا بعد أن كانت تقترب من حاجز 99% فمن المنطقى أن يكون هناك انخفاض فى الحدود الدنيا للجامعات الخاصة والأهلية يوزاى هذه الانخفاضات الكبيرة، بما يحقق مصلحة الطلاب والجامعات.