رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

جودة التعليم وشهادة اعتماد المؤسسات بين الواقع والمأمول

الأحد 17/أبريل/2016 - 10:36 ص

مضى أكثر من عشرة سنوات منذ تاريخ إنشاء الهيئة القومية لضمان الجودة والاعتماد في التعليم , كما مضي  أكثر من سته عشر عاما منذ تاريخ المؤتمر القومي الأول لتطوير التعليم بمصر والذى عقد عام 2000 ونتج عنه الخطة الاستراتيجية  للتعليم 2000 وحتي 2017 والتي لازالت مستمرة حتي الآن ,  ووضعت رؤى شملت العديد من مشروعات التطوير التي تستهدف التعليم, وأنفقت ميزانيات كبيرة سواء منح أو قروض الدولية ..!! ولكن للاسف كانت النتيجة .. الواضحة للجميع .. عدم تطابق مؤهلات الخريجين لسوق العمل وزيادة البطالة وإفتقاد جودة التعليم   !! وهو ما أكد في تقرير التنافسية العالمي الصادر من المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس لعام 2015- 2016م  الصادر في 30 سبتمبر الماضي، والذي كشف عن تدني وضع مصر في مؤشر جودة التعليم, فقد احتلت المرتبة 139من 140دولة ,  وهو المركز قبل الأخير في محور جودة التعليم الأساسي "الابتدائي" وجاءت في المركز 139 والمركز 111 في جودة التعليم العالي والتدريب.

 

وهنا لابد لنا أن نتسائل :

              بالرغم من وجود هيئة قومية لضمان الجودة, وبالرغم من تنفيذ العديد من مشروعات تطوير التعليم , وبالرغم من وجود خطة استراتيجية مستمرة منذ ستة عشر عاما بناء على مؤتمر قومي لتطوير التعليم ... ماهي الاسباب التي حالت دون تحقيق جودة التعليم المصري .. ؟!! 

 

- الجودة المطلوبة هي جودة طالب قادم من التعليم الثانوي لاستكمال الهرم التعليمي الخاص به ,  بناء على ملف إنجاز لهذا الطالب موضح فيه من خلال مراحل تعليمه السابقة ما يتميز به من قدرات ومهارات , والمواد الذي حقق فيها أعلي التقديرات, مع توصيف لحالته الاجتماعية والنفسية والصحية , لاستكمال دراسته الجامعية أو الفنية , محققا ميولة ورغباته,  ومتوافقة مع قدراته العقلية والشخصية والاجتماعية , وموفرا لمناخ الإبداع المتوافق مع التكوين العقلي والنفسي والصحي والاجتماعي لهذا الطالب .

* اما الجودة الموجودة بمؤسساتنا فهي طالب قادم من تعليم ثانوي عن طريق مكتب تنسيق, فرض علية الالتحاق بهذا التخصص الجامعي, وهو لا يعلم الفرق ما بين كلية س او كلية ص, إلا ان الاولى مجموعها اكبر من الثانية ..!!

 

- الجودة المطلوبة هي جودة تكنولوجية .. يقدم الطالب أوراقه من خلال موقع الانترنت الخاص بالمؤسسة التعليمية , ليتم تحديد موعد لاختبار قدراته  من خلال برنامج الكرتوني , يعلم نتيجته فى الحال,  ويتم اخطار الطالب بقبوله او احتياجه لدراسة سنة تأهيلية او رفضة بعد عقد مقابلة شخصية .. ويقدم أوراقه ويتم تحصيل المصاريف عن طريق الانترنت , وتدار المؤسسات التعليمية بشكل الكتروني سواء شئون الطلاب او الدراسات العليا او حتى التدريبات والامتحانات , وجودة معامل وأجهزة وأمكانيات مادية ومكانية .

* اما الجودة المطبقة بمؤسساتنا الآن,  فهي امور تنظيمية لإجراءات الالتحاق,  وشكل ورقة الدمغة, وتنظيم الطابور,  واتجاهات الدخول والخروج في حالة الطوارئ,  وصندوق الشكاوى للطلاب , وكل مؤسسة تعليمية عليها تحقيق الإكتفاء الذاتي من الموارد والإمكانيات حتي ترفع الدولة يدها عن ميزانيتها ...!!

 

- الجودة المطلوبة هي جودة مقررات متطابقة مع احتياجات المجتمع, وملبية لطموحات الدراس ورغباته وميولة , وهي جودة تنوع مصادر البحث والاطلاع, لتدريب الطلاب على الاعتماد على أنفسهم في البحث واستخراج المعلومات,  فهذا العصر يختلف عن العصور السابقة من حيث سهولة الحصول على المعلومات , فلم يعد استاذ المقرر كما كان قديما هو وحدة الذي يمتلك المعلومة ..

*اما الجودة المطبقة الآن بمؤسساتنا  فهي جودة توصيف مقررات تم وضعها منذ عشرات السنين,  لا علاقة لها بالمجتمع, ولا بطموحات الطلاب, ولا بتطورات هذا العصر,  وقد يكون هناك مناهج اندثرت في العالم كلة ولكن  لازال يتم تدريسها حتى الآن , وهي جودة شكل وطباعة الكتاب المدرسي وأوراقه الملونة,  وجودة الكتاب الجامعي – هذا التعريف المخزي الذى حول الجامعات لمدارس تتقن الحفظ والتلقين.

 

- الجودة المطلوبة هي جودة طرق تدريس متنوعة وشاملة , تراعى الفروق الفردية, وتستخرج كافة إمكانيات كل طالب, وتعالج جميع أنواع القصور, ليصبح المنتج النهائي قادر على الإبداع والابتكار من خلال مناخ من العمل التعاوني , وفى نفس الوقت معالجة انواع القصور في الجوانب الشخصية للطالب إن وجدت,  كالانطوائية والفردية والأنانية والخجل ..الخ

* أما الجودة المطبقة الآن بمؤسساتنا  فهي كتابة تقرير للمقرر بنهاية كل فصل دراسي ..!!

 

- الجودة المطلوبة هي جودة امتحانات وقياس وتقويم سليم,  ومناهج يراعى فيها جميع المستويات المعرفية (معرفة - استيعاب وفهم - تطبيق - تحليل - تركيب - تقييم ) وتتعالي أصوات خبراء التعليم منذ سنوات عديدة  بأن هناك مشكلة في هذا الأمر ولابد من معالجتها .. ولكن للأسف لا يتم الاستجابة لها من المسئولين , وهذا الإصرار على عدم التغيير تسبب مؤخراُ في ثورة الأمهات على المناهج التعليمية مطالبين بالتغيير .

*اما الجودة المطبقة الآن بمؤسساتنا  فهي نموذج لورقة امتحان تشمل عدداُ من الاسئلة لابد من توقيع عدد من الاساتذة عليها كمصححين للمراجعة ..!!

 

 

- الجودة المطلوبة هي تطوير القدرات التخصصية للقائمين على التدريس,  لمسايرة كافة المستحدثات العلمية في مجال التخصص,  والاطلاع  بشكل دوري على كافة الدوريات العلمية الحديثة ,

وهى جودة إدارة وقيادات تم تأهيلها وتدريبها مسبقا  لمناصبها على كيفية ممارسة مهامها حسب التوصيف الوظيفي لكل منصب . يتم اختيارهم كمبيوتريا بقياسات للجوانب النفسية والإدارية والقانونية, وسمات الشخصية, والرؤية المستقبلية, والذكاء الاجتماعى, والذكاء العقلى, ولا علاقة لها بالتخصصات العلمية, فإدارة المؤسسات التعليمية التى تحتوي على  تخصصات علمية مختلفة تستلزم مهارات إدارية وقانونية وكفاءة في إدارة الموارد البشرية وسمات  شخصية قيادية قادرة على إتخاذ القرار,  بدون الاعتماد على مقترحات مستشارين أو خبرات موظفين لاختيار الأكفأ في مواقع القيادة بناء على معايير علمية واضحة بشفافية لا علاقة لها بالوساطة أو بالشللية او التوريث أو الاختيارات العشوائية.

* اما الجودة المطبقة الآن بمؤسساتنا  فهي ورش عمل ودورات تدريبية لا علاقة لها بالتخصص , و كتابة التسلسل الوظيفي على شكل هرمي يوضح به كل منصب ومهامه وكل إدارة وفروعها . ونظم اختيار القيادات التعليمية بالمؤسسات يفتقد المعايير التي  تضمن وصول الأكفأ في الإدارة , وبالتالي في بعض الأحيان تصبح الإدارة الفعلية لبعض المؤسسات التعليمية بيد أقدم الإداريين وأكثرهم خبرة. 

 

- الجودة المطلوبة هي جودة تحقق حد أدني من التوافق ما بين القيم التنظيمية للمؤسسات التعليمية ولوائحها وقوانينها وبين القيم الشخصية للعاملين بها ,  لتحقيق الرضا الوظيفي للجميع , وخلق مناخ صحي للعمل التعاوني بحب وتناغم , فالقائم بالعمل ملتزم بما يكلف بة من أعمال مشاركا في الرأي والتطوير بكل ما يملكه من مجهودات ,  محباُ لعمله و ليس كارهاُ له أو مجبرا علية ومن هنا تصبح بيئة العمل خصبة للإبداع  والإبتكار , 

* اما الجودة الموجودة بمؤسساتنا فهي جدول مكتوب به عدد من اللجان الهوائية الفيثاغورثية مكتوب بها انه متواجد 99 ساعة في الاسبوع

 

 

- الجودة المطلوبة هى جودة مشروعات تطوير حقيقية .. كل تخصص على حسب متطلباته واحتياجاته , وكل مدرسة أو كلية على حسب رؤيتها فيما ترغب فية من تطوير ..

*اما الجودة المطبقة الآن فهي مشروعات موحدة التعريف والتوصيف لكل المدارس وآخرى موحدة التعريف والتوصيف لكل الكليات الجامعات بشروط محددة على الجميع ونسب صرف محددة لكل بند من البنود .

 

- الجودة المطلوبة هي جودة الارتباط بشئون المجتمع وتنمية البيئة من حيث التواصل مع المجتمع ومؤسساته والمحافظات التى تتواجد بها المؤسسة التعليمية لتصبح المؤسسات التعليمية فاعلية  منتجة ومساهمة فى هذا المجتمع بشكل واضح وملموس , تقوم بحل كافة المشاكل التي تعاني منها البيئة المحيطة و مسئولة عن توظيف خريجيها وتنمية مهاراتهم وتقديم النصح والإرشاد وتصبح كل مؤسسة بها منفذ او مكتب يتم اللجوء إلية من المجتمع لتوفير تخصص من التخصصات او للتدريب.

* اما الجودة المطبقة بمؤسساتنا فهي جودة بوسترات وصور فوتوغرافية لعدد من الندوات الإجتماعية او المؤتمرات النظرية أو الفاعليات الترفيهية , وللأسف هذا هو التفسير الفعلي لشئون المجتمع وتنمية البيئة .

 

والسؤال الآن لكل المؤسسات التعليمية التى حصلت على شهادة الإعتماد من الهيئة القومية لضمان الجودة , سواء دخلت مشروعات تطوير وصرفت ملايين الجنيهات او حصلت عليها بدون المشروعات وبالجهود الذاتية ..اكتب بند واحد فقط مما سبق  تم تحقيقه فعليا لديكم من الجودة المطلوبة وماذا كان وضعة قبل الاعتماد ؟!!

 

فالجودة فى حد ذاتها جيدة ومطلوبة , ولكن المفترض ان تزرع فى ثقافتنا كشعب من الطفل للشاب , ومن العامل لصاحب المصنع , ومن التلميذ للمدير ومن المعيد للوزير ....الخ

وهذا الامر لن يتم بالكيفية التي تتم بها الآن بمصر , في ظل استمرار نفس الفكر الذي تسبب في إهدار سنوات عديدة كان من الممكن خلالها تحقيق طفرة في التعليم المصري ...!!