رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

التعليم والشخصية المصرية ومستقبل هذا الوطن

الجمعة 22/أبريل/2016 - 02:34 م

مصر في المرحلة القادمة تحتاج ان تسابق الزمن في كافة الجوانب لتحقيق تحسن سريع وواضح وملموس في كافة الجوانب, وخصوصا في أمر التعليم تحديدا ..

نحتاج لرؤية مختلفة  جديدة , بفكر غير تقليدي مختلف عما كان متبع منذ الثمانينات والتي كانت السبب في تدهور حال التعليم بمصر ..

لأننا وبمجرد نظرة بسيطة ولو حتى نظرة من غير المختصين .. سنجد ان التعليم والبحث العلمي بمصر خلال السنوات السابقة فشل في تحقيق أي تطور او تقدم لهذا الوطن, فالخطط الاستراتيجية السابقة فشلت في وضع رؤي سليمة لإعداد خريج  ملائم لسوق العمل لدية قدر واسع  من الثقافة والمعرفة والمعلومات والأخلاقيات والفكر ما يؤهله ليكون مواطن ذو تأثير واضح في تقدم ونهضة بلده , محبا للعمل الجماعي التعاوني , يضع مصلحة هذا الوطن ومصلحة مجتمعه على رأس أولوياته لينحي مصلحته الخاصة جانبا لو كانت ستضر بمصلحة الجميع ,  مواطن له تأثير بمجتمعه سواء على مستوى الأسرة  كمجموعة  صغيرة يكون للفرد تأثيره عليها , أو على مستوى الشارع والحي والمؤسسة التي يعمل بها , أو على مستوى المحافظة أو على مستوى مصر كلها ...

فنتيجة للتعليم المتردي بمناهجه العجوزة التي لم تساير التطور العلمي والمستحدثات .. ونتيجة للفجوة الواقعة الآن ما بين احتياجات المجتمع والتعليم والبحث العلمي , ونتيجة للتربية التي اختفت من مدارسنا, وانشغال الأب والأم بالعمل وكسب لقمة العيش عن غرس التقاليد المصرية والأخلاق والقيم المصرية الأصيلة في أبنائهم .. ونتيجة للفوضى الإعلامية القائمة على المكسب السريع والمبنية على مخاطبة الغرائز والشهوات .. ونتيجة لقصور الرؤى ببعض الوزارات وبعض المسئولين مع ضعف خططهم الاستراتيجية السابقة التي كانت من المفترض أن تهتم بتنمية هذا المجتمع بشكل سليم وخطوات مدروسة بتجديد الفكر والرؤي والسياسات .. ونتيجة لغياب الخطاب الديني المعتدل الوسطى ... ونتيجة للفن الهابط .... كل ما سبق أصاب المواطن المصري , وحدث تأثير في فكره وشخصيته وتقاليده وأخلاقه , وبالتالي ظهرت سلبيات عديدة, و حدث تردى وتدهور في الأوضاع خلال السنوات السابقة في أغلب المجالات ..

لهذا اعتقد ان المدخل والحل سيكمن في علاج كافة الأمراض المجتمعية والنفسية التي طرأت حديثا في الشخصية المصرية ولن يتحقق هذا الأمر إلا من خلال تضافر جميع الوزارات من التربية والتعليم  للتعليم  العالي لوزارات الثقافة والإعلام ومؤسسة الأزهر الشريف , وذلك من خلال بحث علمي جاد تهتم به الدولة وتضعه في مقدمة اهتماماتها لتشخيص المشكلة ووضع الحلول اللازمة لها بشكل مدروس وليس نقل حرفي لتجارب أجنبية او أفكار وإقتراحات متناثرة لبضع أفراد وضعتهم الظروف بموقع صناعة القرار .

- نحتاج لإدخال التنمية البشرية بمدارسنا منذ مرحلة الطفولة لتستمر حتى التخرج,  وتصبح من ضمن مكونات الرسائل والمواد الإعلامية والثقافية والأفلام والبرامج حتى الموسيقي والأغاني يجب ان تحمل رسائل موجهه إيجابية لإصلاح السلبيات التي طرأت على مجتمعنا  ..

- نحتاج لنشر ثقافة العمل الجماعي,  ليس مجرد  نشر كمعلومات مكتوبة, ولكن بتطبيق وتفعيل جاد منذ الطفولة,  لإعداد مجتمع متعاون متسامح محب للآخرين , كل فرد يكمل الآخر ويحترمه ويقدر دوره ويعترف بأهميته ..

- نحتاج لإعطاء قوة للأبحاث العلمية المشتركة ما بين التخصصات المختلفة .. فكل قسم علمي يكمل الآخر ويتعاون معه بخطط بحثية شاملة,  وكل كلية تكمل الأخرى, وترتبط وتتعاون معها,  وكل جامعة تكمل الأخرى على حسب احتياجات المجتمع ومستجداته , وكل مؤسسة ووزارة تتعاون مع الأخري وتندمج في سيمفونية من العمل الجماعي الهادف لخدمة هذا الوطن ..

- نحتاج لنشر وغرس ثقافة إتقان العمل والجودة من خلال جمع كافة ما يتم تدريسه من معلومات ودورات تخص الجودة إلى داخل جامعاتنا ومدارسنا على شكل مناهج دراسية  بدلا من إحتكار الهيئة القومية لضمان الجودة على تقديمها وحدها وبمفردها بأسعار مبالغ فيها ,  والتركيز على الدراسات والأبحاث التي تخص جودة العمل من خلال وضع خطة بحثية عامة لمصر تتفرع بشكل هرمي للجامعات والمراكز البحثية ومنها للكليات ومراكز البحوث والأقسام العلمية بالتخصصات الدقيقة ,  وكيفية غرس ثقافة الإتقان في المجتمع,  لتنشئة الأفراد على رفض أي قصور في العمل .. ليصبح الهدف العام هو الإتقان والجودة الحقيقية  وليست الجودة  البيروقراطية التي تعتمد على تستيف الأوراق كما نراه واقعاً ملموسا الآن في شهادات الجودة والأعتماد التي تم منحها للعديد من المؤسسات بدون وجود إي تغيير ملموس من قبل المستفيدين بخدمات تلك المؤسسات المعتمدة..

- نحتاج للاهتمام بالخطاب الديني المعتدل الوسطى, والمعاملات والأخلاق الدينية الصحيحة , لتكون حصن ضد أي تطرف وتحرش وسلوكيات مرفوضة ...

- نحتاج للاهتمام بالفنون بأنواعها والتي تعمل علي الجانب الوجداني لتنمية الذوق والحس الفني ,  لأنه العامل الأساسي في تكوين شخصية الفرد ,  لخلق نوع من التوازن في تعليمنا ما بين الجوانب المعرفية والوجدانية والجسمانية, فالاهتمام بالجانب المعرفي فقط  بدون الاهتمام  بالجانب الوجداني والأخلاقي والديني لن يفرز إلا نسخ متكررة من روبوتات أو دمى محشوة بالمعلومات تسير على الأقدام  ..

نحتاج لتكوين ثقافة ترفض كافة المظاهر السيئة من فوضى وضوضاء وقاذورات ونشاز الوان وموسيقي ... ولنا ان ننظر الى صور مصر القديمة وتناسق العمارة والمباني والالوان والشوارع,  ونربط ما بين ما سبق وبين تكوين الشخصية المصرية قديما والآن .. سنجد ان الفنون هي من تجعل الشعوب راقية او تجعلها فوضوية

- نحتاج للاهتمام المكثف باستخراج الطاقات الكامنة في عقل كل طفل وتلميذ وطالب وباحث وصانع وعامل .. وتوجيهه بشكل سليم على حسب ميولة ورغباته وقدراته العقلية والجسمانية في التخصص, لأنه عندما تتوافق القدرات العقلية مع الميول والرغبات يظهر الإبداع والابتكار ... وعلى العكس لو لم يحدث هذا التوافق يصبح لدينا نماذج متشابهة كالدمى, ليختفي الابتكار والتجديد ونتحول الى مجتمع نمطى مستهلك

نحتاج لوضع قوانين تحقق توازن ما بين الحقوق والواجبات للجميع,  لا تفرق بين وزير وخفير في الثواب والعقاب ولا في الحقوق والواجبات , توضع بشكل ديمقراطي حقيقي يشارك في وضعها الجميع ليحدث التوازن المطلوب ولا ينفرد بوضعها أحد , حتي لا يعفي نفسة ومنصبة من المسئوليات وحتي لا نجد إمتيازات وإستثناءات لبضع أفراد ..

- نحتاج للتطوير المستمر بقدرات القائمين على التدريس سواء في التربية والتعليم او التعليم العالي ... فلا يوجد فرد على مستوى العالم كلة وصل الى النهاية في العلم ... فالعلم لا ينتهى بالحصول على درجة الاستاذية ... والعلم لا ينتهى بوصول مدرس التربية والتعليم الى موجة أو ناظر أو حتى وزير ... ولابد من فصل المناصب الإدارية القيادية عن الدرجات العلمية .

نحتاج لتنمية القدرات التخصصية واللغات بشكل مستمر , توفرها الدولة للراغبين فيها,  وتتحمل تكلفتها في حاله النجاح بها,  بل وتمنح حافز لكل من يجتازها ... ومن يرفض تنمية قدراته التخصصية فعلية ان يستريح ويترك مكانه لمن هو راغب في التطوير المستمر.

ولكن قبل كل ما سبق .. نحتاج أولا ... أن نخطط لتعليمنا بأنفسنا .. ونرفض أي تدخلات خارجية بهذا الشأن سواء من البنك الدولي واستراتيجياته التعليمية الهدامة,  أو الاتحاد الأوروبي وقروضهم المشروطة واتفاقياتهم ومنها الجاتس التي ترغب في تحويل التعليم لسلعة بخصخصتها,  لتباع وتشتري على حسب العرض والطلب حتي لا يتدخل رأس المال ويتلاعب بالتعليم كيفما يحلو له . 

كفى نقلا حرفيا وتقليدا أعمى من الغرب ... نحتاج لدراسات المجتمع المصري فقط لا غير وتطبيقها في الخطط التعليمية بشكل تعاوني ما بين كافة التخصصات وبين الصناعة .. وبناء على المستحدثات العالمية في المناهج وطرق التدريس والبحث العلمي وإدارة الموارد البشرية ...

باختصار مصر تحتاج لنظرة مختلفة في التعليم والبحث العلمي بناء على المستجدات التي تطرأ على المجتمع المصري واحتياجاته , وليس نقلا حرفيا من مجتمعات أخرى لها ظروف واوضاع تختلف عن اوضاعنا