الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

أزمة العالم في التعليم..دعوة للمراجعة

الأربعاء 01/يونيو/2016 - 02:28 م

  شهدت فترة الستينيات بداية حقيقة لأزمة عالمية وقدمها آنذاك ف.كومز PH.Coombs من خلال تصوير واقعي عن حالة التعليم في العالم في تقريره "أزمة التعليم في عالمنا المعاصر" من منظور تحليلي منظومي عام 1967وكان بمثابة انتفاضة قوية تدرك أن هناك أزمة قادمة في التربية على مستوى العالم وأنها قادمة في أعقاب انتشاء تربوي هائل يشمل العالم ،و عن وعي وإيمان بأن الاهتمام بالتعليم هو المدخل الرئيس لدفع حركة المجتمع العالمي وتحقيق أهدافه العصرية.

  كاد هذا التقرير بمثابة صدمة للمجتمع التربوي لما احتواه من صور عدة من التفاوت مثل التباعد بين مضمون المنهج القديم وبالنسبة للتقدم العلمي وللحاجات التعليمية الواقعية للطلاب ، وسوء التوافق بين التربية وحاجات التنمية لدى المجتمعات ،وثالث يتضمن ما بين تكافؤ الفرص التعليمية ،وأيضا فجوة متزايدة بين نفقات التعليم الآخذة في الارتفاع ،وبين الاعتمادات المالية التي تستطيع الحكومات أو ترغب في استثمارها ،كما عرض التقرير الأسباب وراء أوجه التفاوت :

o          الزيادة الحادة في تطلعات الشعوب.

o          النقص الحاد في الموارد.

o          القصور الذاتي الكامن في الأنظمة التعليمية(صعوبة التكيف مع المتغيرات الخارجية).

o          قصور الذاتي للمجتمعات (انماط المكافآت ،ابنية المؤسسات،الأعراف الدينية).

كما ذهب التقرير الى أن المربين لا يمكن أن تتوقع منهم وحدهم أن يصلحوا كل معوج في أنظمتهم التعليمية لأن الأزمة تشمل كل المجتمع ،وكل الحياة الاقتصادية لا التعليم وحده.

ومن منظور نظمي ،يطرح التقرير بعض الممارسات تم تطبيقها في بعض الدول للاستفادة منها مثل:ايصال التعليم الجيد عن طريق الاذاعة والتليفزيون وإيصال المواد الدراسية الأكثر حداثة(وهو ما كان متبع في تلك الفترة في مصر).إطالة  الساعات الدراسية لإتاحة وقت أطول في التدريس باختفاء تعددية الفترات . ايضا اشتراك مؤسستين متجاورتين في(التجهيزات،الملاعب،الخدمات الدراسية )لتقليل التكلفة.ومن المدهش طرح ممارسة استخدام مساعدين للمدرسين في حجرة الدراسة للقيام بالأعمال الكتابية (وللأسف متبع حاليا في نظام الدروس الخصوصية بمصر فالمساعد مسئول عن متابعة انتظام الطلاب،تنظيم وتصحيح الواجبات والاختبارات الدورية،وأيضا الاجابة على كافة استفسارات الطلاب)

   جاءت فترة الثمانينات ليقدم ف.كومز PH.Coombs تقرير للمجلس الدولي لتنمية التعليم(ICED) عام 1984 تحت مسمى "أزمة العالم في التعليم من منظور الثمانينيات"ليتابع أعراض لامتداد الأزمة السابقة في العالم النامي والمتقدم لكن بمنظور يحاول أن يري وضع التعليم في بلده ،بمعني آلا نقدم حلول جاهزة لمشكلات التعليم ،بل لابد ان تنبثق من دراسة أهل البلد لظروفهم ،وأحوالهم وهذه لها من العوامل الداخلية والخارجية ، مما يتطلب دراسة خاصة من المسئولون والباحثون من البلد المعايشين لمشكلاتها.

  أهم ما يلاحظ في هذه الفترة  زيادة الطلب على التعليم واعتراف الدول بأن التعليم استثمار أكثر من كونه خدمة ترفيهية ، في المقابل يريد بعض الأفراد أن يبقى التعليم على حالته كما هو(جمود المناهج وتكدسها وجمود الطرق ومقاومة النظم للتغيير والعودة للماضي بمتحجراته..وغير ذلك)فقد شهدت مصر تضخم سكاني قابله تزايد من هم في سن التعليم مع انخفاض عدد الفصول وزيادة الكثافة بالفصول الدراسية والتعددية في الفترات وقصر اليوم الدراسي وعدم صلاحية بعض الأبنية المدرسية.وذكر أيضا أن الدول النامية أخطأت في نفسها عندما استوردت أنظمة تعليمية أجنبية(تجربة المدارس الدولية بمصر) صممت لتناسب أهدافا وظروفا مختلفة ،وكانت عادة أنظمة أكاديمية خاصة حققت أهدافها بنجاح في موطنها السابق.تلك الأنظمة المستوردة ساهمت في تكوين إطارات منتقاه من المتعلمين لإدارة مكاتب حكومية جديدة لكنهم غير صالحين لتنمية الموارد البشرية الضخمة.

   أما بعد...هذه لمحة خاطفة بل قطرة ضئيلة في محيط عالمي يؤكد أننا مازلنا نعيش فترة من أزمة ثقة في التعليم نفسه علينا اليقظة لتحديد طبيعة المشاكل الحساسة ،نحاول التغلب عليها بتعديل وتغيير ما يمكن وراءها من علل...فلننتبه طلابنا سوف يتخرجون وهم غير صالحين للخدمة .لا خدمة أنفسهم ولا خدمة انفسهم ولا خدمة مجتمعهم .لقد تغير جوهر الصراع في العالم الآن حيث أصبح سباق في التعليم ، وإن أخذ هذا الصراع أشكالاً سياسية أو اقتصادية أو عسكرية فالجوهر هو صراع تعليمي لأن الدول تتقدم في النهاية عن طريق التعليم ، وكل الدول التي تقدمت وأحدثت طفرات هائلة في النمو الاقتصادي والقوة العسكرية أو السياسية نجحت في هذا التقدم من باب التعليم . فالتحول من فكرة كون التعليم مسئولية الحكومة إلى فكرة قومية للتعليم وضرورة مساهمة جميع القطاعات، ومن بينها القطاع الخاص فى تطوير التعليم وتحسين جودته.

       المهم أن أزمة التعليم في مصر أزمة تاريخية وسوف تستمر اللهم إلا إذا جاء اليوم الذي لا تكون فيه سياسة التعليم هي رغبات الوزير ـ أي وزير ـ ولن يأتي هذا اليوم إلا إذا كان هناك هيئة قومية لتنمية التعليم (غير هادفة للربح ولكنها تهدف الى المعاونة في اجراء الدراسات والبحوث لقضايا التعليم لا تدخل ضمن صلاحيات السيد الوزير ـ أي وزير ـ يفترض أن تضم رموز التعليم الذين لا تربطهم بالوزارة أي مصالح أو حتى علاقة وتتولي هذه الهيئة تخطيط ورسم ومتابعة تنفيذ سياسة تعليمية متكاملة وتكون مهمة وزارة التعليم تنفيذ هذه السياسة‏.‏ في هذه الحالة فقط يمكن أن يتحقق حلم انتهاء أزمة التعليم في مصر وأن يتعلم الطالب المصري كما يتعلم طلاب العالم من حولنا‏..‏ مرة أخري لن نصلح أحوال التعليم إلا إذا خضع هذا التعليم لسياسة ورؤية واضحة مستقرة لا تتغير من وزير إلي وزير‏!!‏

·         كاتب المقال

·         د.حنان إسماعيل أحمد إسماعيل

                                                                  استاذ تخطيط واقتصاديات التعليم

                                                                                          كلية البنات-جامعة عين شمس