رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

"تسريبات" الثانوية العامة ما بين " انسداد " الجامعات و" تسليك " القدرات و"سبوبة" الخاصة و "إصلاح" التعليم

السبت 11/يونيو/2016 - 02:36 ص

طالعتنا الصحف في الأيام الماضية عن عدة موضوعات,  بدأت بالإعلان عن تحويل بعض الطلاب باستثناءات  للجنة محددة بأسيوط , ثم اعتذار مسئول تلك اللجنة لعدم قدرته على التصدي لنفوذ اولياء أمور الطلاب ,  ثم فوجئنا بتسريبات لامتحانات الثانوية العامة وإجاباتها والغش الجماعي والتي تتكرر عاما بعد عام ,  ثم انتقلت الأخبار لمرحلة تعقب من قام بالتسريب , ثم معاقبة المسئولين عن التسريب , ثم حلول لمشكلة التسريب بنفس الكيفية التي تدار بها تلك الأزمة كل عام .

هناك من اختصر مشكلة تسريب الامتحانات في القبض على من قام بالتسريب , وهناك من رأى انه لابد من معاقبة المسئولين  وعزل الوزير , وهناك من لخص الحل في تشفير الامتحانات , وهناك من طالب بإلغاء مكتب التنسيق والتحول لنظام اختبارات القدرات, وهناك من طالب بالتوسع في إنشاء الجامعات الخاصة لتحتوي كل الطلاب .. الخ

 

والسؤال الآن هل نحن نبحث عن علاج العرض أم علاج المرض نفسة أم استغلال العرض والمرض للتربح وتحقيق المكاسب ...؟!!

 

هل القبض أو معاقبة من تسبب في التسريب هذا العام او عزل الوزير أو تشفير الامتحانات سيوقف محاولات الغش وتسريبات الأعوام القادمة ؟

بالطبع لا ولن يحدث ..!!

 

قد يكون إلغاء مكتب التنسيق والتحول لنظام اختبارات القدرات الخاص بكل كلية حل يمكن قبوله ولكن ..!!

هل هناك ضامن بعدم الغش او تسريب امتحانات القدرات كما يحدث بامتحانات الثانوية العامة أو التوصية على الطالب ابن فلان "بيك" أو فلان "باشا" لإعلان نجاحة في القدرات على غرار الاستثناءات التي نسمع عنها..؟!!

تكون الإجابة .. في ظل الانتقال المفاجئ من نظام لآخر بدون دراسة وتمهيد هو بالقطع لا يوجد أي ضمانه بل على العكس تصبح الأمور أسهل ما يمكن ..!!

 

والحل لابد أولا من التوسع في التعليم الفني لفتح قناة موازية ولائقة  بفرص عمل جيدة, لتخفيف الأعداد ونسب الإقبال على الالتحاق بالثانوية , مع العمل على تعديل ثقافة ونظرة الشعب لتلك المهن للإقبال عليها ,  ثم اعتبار الثانوية العامة شهادة منتهية بتعديل مناهجها وتوفير سوق عمل لائق لحاملها , ثم وجود سنة تمهيدية بكل الكليات يلتحق بها من يرغب بدون قيود في العمر , بمواعيد مسائية لا تتعارض مع مواعيد العمل الرسمية , ومن خلال بنوك أسئلة كمبيوترية – لا دخل للبشر فيها – يتم إختبارات القدرات وتعلن النتائج لحظيا .

 

لننتقل للحل الآخر . هل التوسع في الجامعات الخاصة سيعمل على حل مشكلة الثانوية العامة كسنة مصيرية يتحدد معها خريطة مستقبل شاب ..؟

قد يكون هذا الحل مقبول لدي الفئة التي لا تشعر بمعاناة متوسطي ومحدودي الدخل , فبالفلوس ستنتهي مشكلتهم الخاصة  تماما .. وقد تساعد سوق العمل في المجالات الغير أساسية- أو التي لن تحقق طفرة في اقتصاد هذا الوطن -  من خلال سوق عمل الشركات التي يتم إنشائها من قبل أصحاب التعليم الخاص,  كعامل جذب للالتحاق بتعليمهم بمزايا في الرواتب عالية , والتي أغلب تلك الشركات يدار من خلال وكيل أجنبي أو يعتمد على الاستيراد أو الاستثمار العقاري او تقديم الخدمات ..الخ وبالنسبة للتخصصات النادرة والمتفوقين  منهم ..  غالبا ما يحدث هجرة أو سفر لاحدي الدول الأجنبية التي تساهم أيضا بالشراكة مع بعض الجامعات الخاصة, باستقبالهم بمنح مجانية في تلك الدول لاستكمال دراستهم العليا خارج وطنهم والاستفادة بتخصصاتهم وعقلياتهم النادرة وحرمان هذا الوطن منهم .

 

ولكن هل التوسع بالتعليم الخاص وتنفيذ توصيات المسئولين التي تنادي بالتوسع في نشاء الجامعات الخاصة وتحقيق النسب العالمية في الالتحاق بالتعليم العالي , سينهي مشكلة الثانوية العامة والغش والتسريبات, وتساعد هذا الوطن للانتقال من مرحلة الدولة النامية لدولة صناعية ذات اقتصاد قوي قائم على المعرفة والصناعة  ..؟

بالطبع لا ولن يحدث ..!!

 

لو نظرنا الى معدلات الالتحاق بالتعليم العالي في الولايات المتحدة واليابان والدول الصناعية عموما,  تلك الدول في السبعينات وما قبلها في الستينات والخمسينات حدث لها تطور وزيادة في نسب الالتحاق بالجامعات,  من أرقام صغيرة إلى ١٥٪ ومن ثم إلى ٥٠٪ . وهو تدرج منطقي بنسب الإقبال على التعليم الجامعي لديهم , ولو وضعنا في اعتبارنا ان اليابان كانت مدمرة تماما في الحرب العالمية الثانية في أربعينات القرن العشرين , وإن التعليم بتلك الدول بدأ في الاهتمام بشكل بسيط بالتعليم الجامعي وبشكل مكثف بالتعليم الفني والمراحل الأخرى .. فهو تدرج منطقي ايضا لمرحلة بناء دولة صناعية كبرى, وبداية وضع لأساس الاهتمام بالصناعات التي تعتمد في المقام الاول على الأيدي الماهرة بأعداد كبيرة, بالصناعات الصغيرة ثم الصناعات الكبيرة ..

ولو نظرنا إلي احتياجاتهم من التعليم الجامعي في هذا الوقت بتلك الدول وفى بدايتهم, سنجدها قليلة لأن أي مصنع يحتاج مئات العمال والأيدي الماهرة وعدد قليل من المؤهلات العليا للتوجيه والإدارة ... وبالتالي بعد التوسع في الصناعة ووضع الاساس السليم  لها,  بدءاُ من الاهتمام بالتعليم الفني وتصحيح مسار التعليم ما قبل الجامعي بتلك الدول , اصبحت هناك حاجة الى زيادة نسب الاقبال على التعليم الجامعي, وهذا أمر طبيعي ومتدرج بشكل منطقي .. وهو ما اتبعته تلك الدول في التوسع بالتعليم الجامعي في التسعينات وفيما بعد ...

 

اما في مصر فحتى الآن نعانى من قلة الأيدي العاملة الماهرة المدربة , مع ضعف الاهتمام بالتعليم الفني , وزيادة الإقبال على التعليم الجامعي , وعدم تحديد الهدف من التعليم ما قبل الجامعي والتخطيط بشكل عشوائي وضياع عشرات السنين في تكرار نفس الفكر ..لهذا تصبح المقارنة غير عادلة , والتقليد في رفع الطاقة الاستيعابية وزيادة اعداد الجامعات سيزيد نسب البطالة اكثر فأكثر..!!

لأننا نقارن انفسنا بالدول الصناعية ونستمع لنصائحهم في مرحلة وصلت بها تلك الدول الى القمة واطلق عليها دول صناعية كبرى,  بعد ان وضعت اساس صلب لتقدمها .

لهذا علينا  ان نعود عشرات السنين للوراء لنبحث فيما هم قاموا به وقت ان كانوا مثلنا , والخطوات التي اتبعوها لتحقيق تقدمهم , لا أن نقارن أنفسنا بهم ونقلدهم على وضعهم الآن ...! لنأخذ  ما يتطابق مع احتياجات مجتمعنا ونرفض ما قد يؤثر علينا ... خصوصا مع العولمة واتفاقية الجاتس التي تفرض على الدولة تحررها من دعم التعليم والتوسع في الجامعات الخاصة .

 

وقبل كل ذلك لابد ان يكون التعليم من اولويات الدولة, وهنا لابد من الختام بجملة قالتها محكمة القضاء الإداري الإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة في القضية التي رفعتها إحدى المعيدات بجامعة دمنهور فختمت المحكمة حكمها وقالت :

" جودة التعليم لا تقبل تعطيلا ولا انتقاصا لتحقيق التقدم الحقيقي , وإذا عجزت سلطات الدولة عن تقديمه, فان ذلك من شانه النيل من الحقوق التي كفلها الدستور والقانون., و يتعين على السلطات المختصة في الدولة أن تدرك أن التقدم الحقيقي للدولة المصرية والنهوض من عثرتها إنما يتوقف على الاهتمام بجودة التعليم وكفالة البحث العلمى وتشجيع مؤسساته ورفع كفاءة تلك المؤسسات التعليمية"