السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

مرتب المعلم عام 1928 كان يساوي 13 الف جنيه !!لماذا انهار الان ؟

الجمعة 30/سبتمبر/2016 - 08:40 م

المعلم هو أهم أركان العملية التعليمية، والتقدير المادى للمعلم أحد أهم المعايير التى تحدد درجة رضا المعلم عن مهنته ودرجة تفانيه فيها وبذل الجهد فى سبيلها.

 

واعرض رواتب المعلمين، وتطورها عبر ما يقرب من مائة عام كشكل من أشكال التقدير من الدولة لمهنة المعلم، ومن ثم لكى نتبين واحدًا من أوجه تدهور التعليم ومكانة المعلم، وأحد أسباب استفحال ظاهرة الدروس الخصوصية كمحاولة من المعلمين لزيادة دخولهم.

 

تخيلوا راتب المعلم فى منتصف العشرينيات من القرن العشرين فى المدرسة الابتدائية سنة ١٩٢٨فى بداية عمله بالتدريس حاصل على دبلوم المعلمين راتبه  أربعة جنيهات مصرية كاملة، وقد كانت قيمة الجنيه المصرى وقتها -ولسنين طويلة- تزيد على قيمة الجنيه الذهب -وكان الجنيه الذهبى الشائع فى ذلك الوقت هو الجنيه الإنجليزى- وكان ثمن جنيه الذهب هذا سبعة وتسعين قرشا ونصفا .

 

وكان وزن الجنيه الذهب هذا ثمانية جرامات، وكان هذا يعنى أن جرام الذهب يساوى اثنى عشر قرشا، ومن هنا فقد كان راتب المعلم فى بداية عهده بالتعليم يعادل اثنين وثلاثين جراما ذهبيا، من عيار ١٨، فإذا كان سعر هذا الجرام من الذهب اليوم  حوالي 400 جنيه ، فإن معنى ذلك أن المعلم فى أول عهده بالمهنة كان يتقاضى ما يزيد على  12 الف و800 جنيها 

وبالطبع يعنى هذا إلى أى حد يمكن إشباع حاجة المعلم وأسرته من سلع وبضائع وخدمات وترفيه وغيرها من الاحتياجات.

 

و الاستقرار واحدا من أهم سمات النظام الاقتصادى قبل ثورة يوليو، ومن هنا فلم ترتفع أسعار الذهب إلا بعد الحرب العالمية الثانية إلى الحد الذى تضاعفت فيه.

 

كما ارتفعت مرة ثانية بعد ثورة يوليو سنة ١٩٥٢، وواصلت الارتفاع بعد حرب السويس ١٩٥٦، ليصل سعر جرام الذهب إلى ثلاثة وثلاثين قرشا، فى نفس الوقت الذى كان فيه راتب المعلم قد وصل إلى تسعة جنيهات، ومعنى ذلك أن راتب المعلم كان يعادل سعر سبعة وعشرين جراما من الذهب، وفى أواخر الخمسينيات وصل راتب أصحاب المؤهلات العليا إلى اثنى عشر جنيها، كما زادت الرواتب لتصل فى منتصف الستينيات إلى سبعة عشر جنيها، فى نفس الوقت الذى واصل فيه سعر الذهب ارتفاعه ليصل سعر الجرام سنة ١٩٦٧ إلى ستة وستين قرشا، ومعنى هذا أن راتب المعلم كان بإمكانه شراء خمسة وعشرين جراما من الذهب.

 

وفى أواخر السبعينيات، وصلت رواتب المعلمين من أصحاب المؤهلات العليا إلى ثمانية وعشرين جنيها، اول راتب للمعلم سنة ١٩٧٨ بينما زادت أسعار الذهب ليصل سعر الجرام منها إلى ١٢٠ قرشا، أى أن راتب المعلم أصبح يعادل ثلاثة وعشرين جراما من الذهب، ومعنى هذا أيضا أن رواتب المعلمين قد انخفضت بواقع الثلث بين عشرينيات القرن العشرين وسبعينياته.

 

ولقد جرت فى ربع القرن الأخير مياه كثيرة، وتدهورت قيمة العملة تدهورا كبيرا بفعل التضخم، وبفعل طباعة أوراق البنكنوت «على المكشوف» بدون أن يوازيها الإنتاج أو الذهب، مع استمرار سياسة ربط السوق المصرية بالسوق العالمية، وتحرير العملة، وتساوى أسعار السلع بين داخل مصر وخارجها، وهكذا راحت أسعار الذهب ترتفع بسرعات كبيرة لتصل اليوم -كما أشرنا من قبل 400 جنيه ، بينما ارتفعت الرواتب كذلك وإن كانت بسرعة لا تتناسب بحال من الأحوال مع تزايد الأسعار.

 وفي عام 2016 بلغ مرتب المعلم المساعد  فى أول تعيينه من 650 الي 950 جنيها ، أى ما يقل عن جرامين الذهب.ومع بداية منتصف السبعينات من القرن العشرين بدأت الدولة تتجه الي الاعتماد علي القطاع الخاص في التعليم بانشاء المدارس الخاصة وتقليل حجم الانفاق العام علي التعليم ، وفي عصر مبارك اشتدت حدة الهجوم علي التعليم الحكومي وبدأ غزو المدارس الحكومية بالتجربيات بنوعيها اللغات الاجنبية والرسمية العربية وكل هذا انعكس علي منظومة أجور المعلمين ورغم ما يسمي بصدور ما يسمي بالكادر بالنسبة للمعلمين الا ان هذا الكادر ماهو الا عبارة عن حوافز لم تحسن اوضاع المعلمين الاجتماعية في ظل زيادة الاسعار المتنامية ومن ثم زاد تعاطي المعلمين للدؤوس الخصوصية التي تحولت الي ظاهرة تستنزف 22 مليار جنيها من الانفاق العائلي 

في نفس الوقت تحتاج الدولة لتحسين منظومة أجور المعلمين الي 11 مليار جنيها فقط أي 50% من ما تنفقه الاسرة المصرية علي الدروس الخصوصية، 

اذا لابد من توافر الارادة لدي السلطة السياسية لكي يتم ايقاف مشروعات خصصة التعليم وأخرها مشروع الاستثمار في التعليم الذي تقدم به وزير ديوان الوزارة  الحالي الهلالي الشربيني كما أطلق علي نفسه و " راسب الاملاء " حيث أعطي الهلالي ما لايملك لمن لا يستحق  


 وهكذا يمكننا أن نقول إن راتب المعلم فى مطلع القرن الحادى والعشرين قد انخفض بمقدار خمس عشرة مرة بالمقارنة بزميله معلم أول القرن العشرين.. فهل اقتربنا الآن من فهم أحد أهم أسباب تدهور التعليم فى مصر.