الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

وزير جديد للتعليم ..وملفات قديمة كارثية

الأربعاء 15/فبراير/2017 - 02:21 ص

 مع كل تغيير وزارى شامل او جزئى تراودنا احلام تتحول بعد فترة وجيزة الى اضغاث او كوابيس بعدما تتكشف الضبابية التى تغطى عملية اختيار كل وزير جديد للتعليم وتبدأ التصريحات المكررة حول الانضباط المدرسى واهمية تحسين اوضاع المعلمين المهنية والاقتصادية ثم يبدأ الحديث عن الرغبة فى تمرير العام الدراسى الحالى بكل مافيه لنبدأ من جديد تنفيذ رؤية جديد ..هكذا اعتاد الراى العام من كل وزير جديد يتولى مسئولية وزارة هى الاهم والاخطر والاكثر تاثيرا فى تغيير المجتمع المصرى

وبعد عام ويزيد اقل مايوصف به انه عام الكوارث فى التعليم المصرى نتج عنه خروج مصر من التصنيف الدولى فى التقرير الصادر عن منظمة التعاون الدولى الاقتصادى الاجتماعى وايضا احتلال مصر المرتبة 139 من 143 فى تقرير منظمة الشفافية الدولية هكذا اصبح حال التعليم المصرى بعدما تبددت امال المصريين فى الفترة من 2011 وحتى 2017 فى وجود منظومة تعليم وطنية نتيجة استمرار توجهات الدولة وسياساتها نحو اقتصاد السوق وتسليع الخدمات الاجتماعية ومنها التعليم والصحة واخرها مشروع الاستثمار فى التعليم الذى اعلن عنه الدكتور الهلالى الشربينى الوزير الذى طاله التعديل الوزارى الاخير والذى كشف عن برنامج الحكومة تجاه التعليم ومحاولتها تنفيذ مشروع خصخصة التعليم بخطى هى الاسرع منذ الانفتاح الاقتصادى فى منتصف السبعينيات من القرن الماضى وحتى الان وعلى عكس مانسمع ونقرأ من تصريحات حول الحفاظ على الحكومة على حق كل ابناء الشعب فى تعليم جيد ومجانى الا اننا نصطدم بسياسات تتناقض مع ماهو معلن من تلك التصريحات

وهناك مجموعة من الاسئلة على وزير التربية والتعليم القادم ان يجيب عليها فالاجابة عليها كاشفة لرؤيته وتوجهاته نحو التعليم وايضا سندرك من خلالها سياساته ومنهجه

اولا _ مجانية التعليم ما موقف الوزير منها؟

خاصة وان مشروع الاستثمار فى التعليم الذى اعلن عنه الوزير الشربينى هو منح رجال الاعمال 25%من الاراضى المخصصة لبناء مدارس حكومية الى رجال الاعمال بحق الانتفاع لمدة من (30_ 40) لبناء مدارس خاصة بمصروفات مع التصريح بان هذا المشروع من اجل القضاء على مشكلة الكثافة وامتداد خدمة التعليم فى المناطق المحرومة والتى صدر تقرير هيئة الابنية التعليمية متضمنا (1377 ) منطقة محرومة من اى نوع من انواع المدارس وكذا التقرير الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء فى تناقض واضح مع مواد الدستور والتى نصت على مجانية التعليم واحقية كل ابناء المجتمع فى تعليم جيد تتولاه الدولة بمسئولية كاملة

ثانيا_ اوضاع المعلمين الاقتصادية المتدهورة ما موقف الوزير الجديد منها؟

منذ عام2007 حدث تعديل على قانون التعليم (139) فيما عرف بالقانون(155) والذى اشتهر باسم كادر المعلمين ثم حدثت تعديلات فى 2012 فى 12 مادة تم زيادة المعلمين بنسبة (50%) ومن المفترض ايضا زيادة (25%) عند كل ترقية حيث ان التعديل (155) نص على ان الدرجة الوظيفية هى الدرجة المالية ومع ذلك حدثت الترقيات الوظيفية دون زيادة مالية (25%) ايضا نصت المادة (89) على ان كل زيادة فى الاجور والعلاوت والحوافز والمكافات التى يحصل عليها العاملين فى الدولة يحصل عليها المعلمين الخاضعين لقانون (155) ومع ذلك لم تطبق تلك المادة مطلقا سواء فى ظل قانون العاملين بالدولة (47) الملغى او ظل قانون الخدمة المدنية (18) او بعد تعديله (81) بل نص القانون الاخير على خروج الخاضعين للكوادر الخاصة ماليا من هذا القانون الجديد وبالتالى اصبح المعلم المصرى بدون قانون يحدد علاقته المالية بالدولة فقانون (47) الذى كان يتضمن تحديد الاجر الاساسى لجميع العملين بالدولة بما فيهم المعلمين قد الغى والقانون الجديد تم اخراج المعلمين منه وقانون التعليم الحالى لايتضمن تحديد اساسى الاجر وبالتالى توقفت اى زيادة مالية على اساسى الاجور منذ السنة المالية (يوليو 2014 ) وحتى العام الحالى (2017) بحجة ان هناك مشروع لقانون تعليم جديد يتضمن جدولا للاجور ينظم العلاقة المالية بين المعلم والدولة مع ان هذا المشروع الجديد لقانون التعليم قد تم الانتهاء منه فى نهاية (2014) وتم تاجيل الموافقة عليه من قبل السيد رئيس الجمهورية قبل وجود مجلس النواب وبعد وجوده لم يقم الوزير الشربينى برفع مشروع القانون الى اللجنة التشريعية بمجلس الوزراء تمهيدا لرفعه الى لجنة التعليم ثم مناقشته والموافقة عليه فى الجلسة العامة لمجلس النواب ...هكذا تدهورت الاوضاع الاقتصادية للمعلم المصرى وتذيل قائمة الشرائح الاجتماعية فى الوقت الذى ارتفعت فيه معدلات التضخم واجتاح الغلاء كل المجتمع  نتيجة السياسات الاقتصادية الحالية والتى اضعفت القوة الشرائية للعملة الوطنية فى مواجهة العملات الاجنبية وادت الى انهيارها مما زاد من تدهور الاوضاع الاجتماعية ومستوى معيشة المواطن المصرى محدود الدخل وفى القلب منهم المعلمين الذين حرموا من اى زيادة فى اجورهم منذ عام 2014

ثالثا_ الرؤية العلمية الكاملة من اجل التغيير الجذرى ...ام سياسات رد الفعل

من  مكرر الحديث القول باهمية التعليم فالكل سواء اكانت السلطة السياسية او  المواطن يدرك تمام الادراك قيمة وجود منظومة تعليم وطنية واضحة الملامح  محددة الاهداف وتنفذ وتطور وفقا لرؤية استراتيجية متكاملة بداية لابد ان نرصد الشروط الاساسية لوجود منظومة تعليمية متكاملة ومامدى توافرها او اكتمالها .....علينا اذا ان نحدد تلك الشروط

 

    بناء تشريعى حاكم

    خطة استراتيجية

    سياسات تنفيذية

 

ولنبداْ  بالبنية التشريعية والمقصود بها هى مواد الدستور الخاصة بالتعليم وقانون  التعليم المفصل للقواعد العامة الحاكمة للتعليم الواردة فى الدستور ثم  اللائحة التنفيذية المتمثلة فى مجموعة القرارات الوزارية المنظمة لتنفيذ  مافرضه الدستور وفسره القانون وفى الحقيقة هناك اشكاليات  كثيرة فى العلاقة بين البناء التشريعى للتعليم وبين مايطبق على ارض الواقع  .....فهناك تناقض واكرر تناقض حاد بين نصوص التعليم فى الدستور خاصة فى  المواد المتعلقة ( بالمجانية و التزام الدولة ) وبين توجهات السلطة  التنفبذية وسياساتها التى اتجهت ومازالت نحو خصخصة التعليم المصرى تدريجيا  وتقنين ذلك التوجه نحو تخلى الدولة عن دورها فى تقديم الخدمات الاجتماعية  وفى مقدمتها التعليم ....هنا يبدو التناقض جليا  وشاسعا بين التشريع والتطبيق  ......هذا يدفعنا الى الانتقال الى الشرط الثانى من شروط المنطومة  التعليمية وهو الرؤية الفكرية لكى نستطيع الوصول الى اسباب التناقض السابق والمقصود  بالرؤية الفكرية هى تحديد الاهداف العامة للعملية التعليمية  واليات  الوصول لتحقيق تلك الاهداف من خلال تحديد المحاور او المرتكزات التى تمثل  سبل الوصول للاهداف المحددة ومن المفترض ان تكون تلك الرؤية متوافقة مع  البناء التشريعى ومن ثم  تتكشف الاسباب وراء بقاء مواد  العقد الاجتماعى الخاصة بالتعليم مجرد احلام لدى ابناء الوطن او شعارات  ترقغها السلطة التنفيذية كلما ارادت خاصة عند المواجهة مع الشعب وبنظرة  تاريخية على علاقة السلطة السياسية بالتعليم نجد دائما ان التعليم كان احد  ادوات بل اهم اداة تستحدمها السلطة لتحقيق اهدافها فى المجتمع سواء فى  فترات الاستعمار او فترات الاستقلال او التحرر الوطنى ...هنا تحضرنى مقولة  المفكر التربوى البرازيلى باولو فيريرى ( التعليم اما للحرية واما للقهر)  ففى فترات الاستبداد السياسى (الخارجى) الاستعمار... ...نجد على سبيل  المثال محاولة  لاحتلال الانجليزى  جلنزة التعليم المصرى حيث حكمته رؤية  تطويع وترويض الشعب المصرى الرافض لهذا الاحتلال فى المستقبل القريب  والبعيد فكريا من خلال التعليم حيث تضمن وجود اجيال تابعة وخاضعة لسلطة  الاحتلال هذه الاجيال تتحدث بلغته وتقراْ تاريخه وتعيش حياته بعادته  وتقاليده هنا يضمن المحتل تجفيف منابع الثورة ضده وخلق ثورة مضادة تحدث  صراع مجتعيا داخليا يمنع توحد هذا المجتمع على رؤية واحدة هى رؤية التحرر  والخلاص.........وفى المواجهة فى الطرف الاخر كان التعليم هو اداة الحركة  الوطنية لمواجهة الاستعمار وتحقيق التحرر الوطنى ايضا فى المستقبل القريب  والبعيد ....ولنا فى الزعيم الوطنى مصطفى كامل ووعيه وادراكه لاهمية تعليم  ابناء الشعب فى التحرر والاستقلال مثالا  لكون التعليم سبيلا للحرية حيث  عمل على انشاء المدارس الليلية التى كان التعليم فيها مصريا خالصا وتلك  المدارس صنعت اجيالا وطنية مشبعة بفكرة الاستقلال وتجسد ذلك فى ثورة الشعب  المصرى فى عام 1919 ومابعدها .....وفى المثالين نجد رؤى متناقضة كان  التعليم فيها هو العامل المشترك والاداة للتنفيذ لكن الهدف كان مختلفا  نتيجة تباين الرؤية للسلطة السياسية المستبدة المحتلة وتوجهاتها واهدافها  من العملية التعليمية  ورؤية الطليعة الوطنية الثورية وتوجهاتها واهدافها  من التعليم

وايضا فى فترة حكم محمد على وفترة حكم  الرئيس الراحل جمال عبد الناصر نجد ان التعليم كان هو المشروع الوطنى الاول  والدائم ومحور المشروع التنموى الذى يحقق تنمية اقتصادية وطنية مستقلة  تتواكب مع فكرة التحرر الوطنى السياسى...لتكتمل منظومة التنمية الوطنية  الشاملة المستقلة....ولا شك فى ان كلا من التجربتين الناجحتين تاريخيا قد  توافقت فيهما الرؤية والتطبيق وكانت الدولة والدولة وحدها هى الملتزمة  والمسئولة مسئولية كاملة عن التعليم نتيجة لان التعليم كان محور رؤيتها  التنموية الشاملة للمجتمع ومن ثم لانجد تدخلا او مشاركة او استثمارا دون  الدولة فى التعليم حكمته بتشريعات ضامنة وملزمة لها

ربما كان الاستطراد التاريخى السابق مراّة عكست مجموعة حقائق اثبتت التجربة التاريخية صحتها ربما نحن فى اشد الحاجة الى اعادة الاطلاع عليها وتحليلها بمنظور وطنى خالص كى نكتشف مدى تاثير نتائجها على المجتمع المصرى فى فترات تاريخية مختلفة ويمكن من وجهة نظرنا ان نلخص اهم تلك الحقائق حول اهمية التعليم الوطنى المستقل ودوره فى تحقيق المشروع التنموى للمجتمع

التعليم هو السبيل الى كل تغيير حقيقى وليس شكلى فالتعليم هو بوابة التحرر الفكرى والاجتماعى للمقهورين من الفقر والمرض والجهل

التعليم هو الية المجتمع لتوفير الحماية الذاتية من كل افكار العنف والتطرف

التعليم هو البيئة الخصبة لممارسة الديموقراطية من خلال تعلمها وتعليمها للمجتمع

التعليم هو محور المحتمع لتحقيق الاستقلال الوطنى من خلال التنمية الوطنية المستقلة

التعليم هو معيار تقدم المجتمع وشفافيته وقدرته على مواجهة الفساد

التعليم هو حق من حقوق المواطنة فاذا اهدر هذا الحق يحدث الخلل فى المجتمع

التعليم هو وسيلة الفقرا ء نحو الحراك الاجتماعى للاعلى وهو وسيلة الاغنياء لفهم قيم العدالة والمساوة والانسانية

التعليم هو الحرية لان الحرية تعنى الحياة بوعى ومدخل الوعى هو التعليم  

لاشك اننا ازمة متراكمة وتزداد تراكما تشمل كل مناحى حياتنا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا ساعد على تراكمها غياب دور التعليم الوطنى وتهميشه عبر سنوات والان اصبح من الحتمى استنهاض الارادة لدى المجتمع المصرى حكاما ومحكومين لاحداث ثورة تعليمية  بعد ثبوت الفشل الذريع فى اشراك القطاع الخاص فى الاستثمار فى التعليم ومانتج عنه من ادخال المجتمع المصرى فى جب التمييز الاجتماعى واهدار حق اصيل من حقوق الانسان وهو حق التعليم الجيد المجانى لغالبية ابناء المجتمع حيث يطال الفقر اكثر من 65 بالمائة من ابناء الشعب المصرى مما جعل التعليم الجيد صعب المنال للاغلبية وساعد على ذلك تدنى ميزانية التعليم وانخفاض معدلات الانفاق الحكومى على التعليم بالمقارنة بنسب زيادة عدد التلاميذ سنويا وايضا قلة عدد المدارس الحكومية بالمقارنة بعدد المدارس الخاصة التى يصرح لها مما جعل مخرجات التعليم فى النهاية عبر سنوات من التجربة غير قادرة على مواجهة التغيرات المتسارعة فى شكل موجات متلاحقة من التقدم العلمى والمعرفى التى تجتاح العالم من حولنا لننزلق وبسرعة الى قاع الدول اقتصاديا واجتماعيا