الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

تطوير التعليم مرتبط بالارتقاء بالمعلمين ماديا

الثلاثاء 19/سبتمبر/2017 - 12:40 م

لم تعد أهمية التعليم محل جدل في أي منطقة من العالم الآن، فالتجارب الدولية المعاصرة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن بداية التقدم الحقيقية بل والوحيدة في العالم هي التعليم، وأن كل الدول التي تقدمت، بما فيها النمور الآسيوية، كان ذلك من بوابة التعليم، ولذا تضع الدول المتقدمة التعليم في أولوية برامجها وسياساتها.
فالعالم يشهد حاليًا متغيرات متلاحقة وثورة تكنولوجية هائلة أصبح فيها من يملك ناصية العلم والتكنولوجيا والمعلومات هو من له حق البقاء، فالصراع اليوم ما هو سوى سباق في تطوير التعليم. وعلى هذا، فإن حقيقة التنافس الذي يجري في العالم ما هو إلا تنافس تعليمي لأن الدولة تتقدم في النهاية عن طريق التعليم، وكل الدول التي تقدمت وأحدثت طفرات هائلة في النمو ، نجحت في هذا التقدم من باب التعليم..

وفى الواقع يوجد فى مصر اغفال شديد لقضية التعليم كأولوية أولى للنهوض بأى أمة، ووضعه فى ذيل أولويات الاهتمام والرعاية، حتى أن ما اقره الدستور المصرى الجديد من نصيب للتعليم فى الميزانية العامة للدولة لم يوضع حتى الآن موضع التنفيذ..

اولا: يجب أن نعترف بوجود مشكلة في تعليمنا المصري، ولا أذيع سرا فهذا يعرفه القاصي والداني، فالتردى واضح فى مستوى التعليم الذى نقدمه لأبنائنا بداية من مرحلة التعلم الأساسى حتى نهاية المرحلة الجامعية، فلم تعد مؤسسات التعليم فى مصر تقدم لسوق العمل منتجا جيدا مزودا بأحدث ما توصل إليه العلم من معارف، وبمهارات الحياة المتنوعة التى تجعل المواطن يعيش ويتفاعل مع أفراد المجتمع الآخرين، ويواكب مستحدثات التكنولوجيا فى مختلف المجالات، ويحوز مهارات تفكيرية متنوعة تجعله قادرا على مواجهة المشكلات وابتكار حلول لها..

لقد بات الضعف في منظومة التعليم واضحة آثاره ، فَلسْتَ بحاجة لأن تكون خبيرا تربويا لتلحظ الأمر، فالخلل جلي يراه المعلم في صفه ، وولي الأمر في بيته ، ويمضي كلاهما الحديث حول هذا الأمر كلما سنحت فرصة ، لعلهما يصلان إلى حل يغير من الواقع شيئاً..

ثانيا: لابد أن نحدد موضع الخلل تحديدا دقيقا هل المشكلة في 1- المعلم 2- المتعلم 3- المدرسة 4- المنهج 5- النظام التعليمي 6- كل ماسبق ، والاجابة من وجهة نظري المتواضعة هي كل ما سبق .
ومما سبق فان الأولويات في وزارة التعليم عديدة ، لذلك تصبح المهمة الأصعب هي ترتيب هذه الأولويات ، ومع كل وزير جديد يتولى مسؤولية التعليم تتكرر القضايا والمطالب التي يرى من يطرحها أنها تستحق الأولوية والسؤال الآن ، ما الذي يجعل القضايا والمطالب تتكرر كلما جاء وزير جديد ؟ ان تكرارها دليل على عدم تحققها..

نحن في مصرنفتقد الرؤية الواضحة الشاملة لما نريد في مجال التعليم فقد ارتبطت سياسة التعليم في مصر بشخص الوزير وخلفيته و أفكاره الخاصة، و عندما يتغير تتغير هذه الأفكار ونبدأ من جديد و نستمر ندور في هذه الحلقة المفرغة الفارغة ، فوزير يهتم بالكيف و آخر يهتم بالكم..

لقد افتقدنا الهدف فافتقدنا الطريق فتقطعت بنا السبل و تنازعتنا الأهواء فلم نعد نبصر الى أين نذهب أو في أي طريق نسير؟! لا تقليل سنة من التعليم الاساسي يجدي و لا زيادة سنة أصبح يفيد ، ولا تغيير نظام الثانوية العامة سوف يفيد في شىء اللهم إلا تغيير مسميات أما الاصل فما زال كما هو..

مع كل وزير جديد يتولى مسؤولية التعليم وعلى طاولة وزارة التربية والتعليم ، توضع الحلول والخطط والبرامج والمشروعات الهادفة لتطوير جودة التعليم ، فنفذت مشاريع تهدف لتأهيل المعلم تربويا ومهنياً ، سواء كان ذلك من خلال التأهيل الجامعي أو الدورات التدريبية ، وأعيدت كتابة المقررات الدراسية ، والمناهج التربوية لتتماشى مع متطلبات العصر كما يقال..

ووضعت خطط للأنشطة الصفية واللاصفية، وفُتح الباب بشكل أوسع أمام مشاركة الطلاب فيها، وعقدت مؤتمرات ورش عمل لا عد لها ولا حصر، بين المعلمين، والتربويين، والوزارات لـ ( التقويم الشامل والتعلم النشاط والتعلم الذكى ...... الخ ) ، وأدخلت أساليب ووسائل التعليم التكنولوجية إلى الصفوف، لتطوير أساليب التدريس من جهة..

لكن هذه الحلول والخطط لم تغير من الأمر كثيراً، بل عاما بعد عام، بات الضعف يزداد ولم تحقق النتائج المرجوة نحو منظومة تعليمية جيدة تحقق أهداف الدولة من التعليم وتساعدها على النهوض والتقدم ؛ فزادت الحيرة ، وبقي السؤال قائماً : كيف لنا أن نحسن من جودة التعليم؟ وما زال البحث عن الإجابة مستمراً ، فتارة يقال الطالب، وتارة المناهج وتارة المدرسة وتارة تاهيل وتدريب المعلم وكأنه لا يراد لنا أن ننظر لمستويات وطرق أخرى..
 
لأن حقيقة الحل لمشكلة التعليم ليست ما سبق، بل هي في ترتيب هذه الأولويات وكفالة حياة كريمة للمدرس؛ ومن هنا نبدأ، إنه لا أمل في تطوير التعليم إن لم يتم الإرتقاء بالمعلمين ماديا..

وللاسف فقد انهارت وتراجعت مكانة المعلم عندنا بمصر ووصلت إلى أدنى مستوياتها و تردت الحالة المادية للمعلم بمصر، وهو ما أثر على نظرة المجتمع لأهميته ومكانته، وأثر عليه نفسيا وادى إلى شعوره بالإحباط وعدم الأهمية، ودفعه إلى عدم احترام مهنته واللجوء إلى مهن أخرى بجانب عمله الأساسي ، في محاولة لتحسين وضعة المادي وهو ما يؤثر في نهاية المطاف على الوقت الذي يمنحه لتلاميذه وطلابه..

أن العائد المادى الذى يحصل عليه المعلم قليل جداً ولا يكفى لكفالة حياة كريمة للمعلمين فنصف المعلمين تحت خط الفقر، وهناك مليون ونصف معلم تقريبا يعيشون بالكاد ، وأن 14% فقط هم من يعطون دروسا خصوصية..

أن المعلم هو أساس العملية التعليمية والعنصر الأهم في العملية التعليمية فلقد حصلت مُعلمة بفلسطين على جائزة أفضل مُعلم بالعالم بسبب تدريسها للطلاب أسفل شجرة عام دراسي كامل؛ فالمدرس الجيد يستطيع أن يدريس منهج سيء في مبنى لا وجود له ، وأن يخرج جيل جيد وسط كل الظروف السيئة المحيطة..

يرى الخبراء التربويون أن العناية بالجانب المادي للمعلم هو الأولوية الأهم ، وأن إصلاح أحواله يعني إصلاح العملية التعليمية برمتها ، ومن ثم تسعى الدول إلى النهوض بمعلميها ، والتطلع نحو الارتقاء بهم ، وتلبية مطالبهم المادية والمعنوية ، وحاجاتهم المهنية ، في سبيل الحصول على أفضل ما عندهم من عطاءات، معرفية ، ومهارية، ووجدانية..

لا سبيل لإصلاح النظام التعليمى فى مصر ، إلا بالنظر اليه على أنه قضية أمن قومى لا ينبغى التفريط فيه أو تعريضه للخطر، ويفرض ذلك إعطاء التعليم ما يستحقه من رعاية وعناية وتخطيط وتمويل وإصلاح وتقويم ، وأن يتم على الفور تنفيذ ما أقره الدستور المصرى الجديد من تخصيص نسبة محددة للتعليم لا ينبغى النزول عنها بدواعى عجز الموازنة أو ترتيب الأولويات..

وأنا هنا لن أردد قول زملائي المعلمين الذين يرددون ليل نهار : " إشمعنا رجال الجيش والشرطة والقضاة وموظفي الكهرباء والبترول .... ؟ !!! " ، ولن أردد ما يقوله زملائي المعلمين : " كيف يتم دعم التليفزيون والصحف القومية بمليارات الجنيهات مادامت الدولة فقيرة كما تردد الحكومة ؟ !!! "..

لقد آن الأوان لتحسين أحوال المعلمين وتوفير المستوى الآمن واللائق بهم ، لذا ينبغى إعادة النظر فى كادر المعلمين ، وحاسبوهم بعد ذلك إن أهملوا أو مارسوا إعطاء الدروس الخصوصية ، لكن قبل كل ذلك وفروا لهم الحد الأدنى الذى يحفظ لهم كرامتهم ويحسن مظهرهم أمام تلاميذهم ، ويجعلهم يحسون بأنهم على مستوى قريب من أصحاب المهن الاخرى الذين يتقاضون رواتب ومكافآت أكبر بكثير مما يحصل عليه المعلم..

قال “ لي كوان بو “مؤسس سنغافورة “ أظن أنني لم أقم بالمعجزة في سنغافورة ، أنا فقط قمت بواجبي فخصصت موارد الدولة للتعليم ، وغيرت مكانة المعلم من الطبقات الدنيا في المجتمع إلي المكان اللائق بهم ، وهم من صنعوا المعجزة التي يعيشها المواطنون الآن .
.
ففى دولة سنغافورة الصاعدة بقوة نحو مصاف الدول المتقدمة ، تكرس جزءًا كبيرًا من مواردها ، للارتقاء بالتعليم ، فهي تدرك أنه لا أمّة متقدّمة دون تعليم متقدم ، ومن ثم وضعت مهنة التعليم ، ضمن المهن ذات الصيت العالي ، ومنح المعلم مسئولية بناء جيل جديد ، وتحديد مسار مستقبل الوطن ويتراوح راتب المعلّم بين 30 و60 ألف دولار في السنة، ويمنح حوافز مجزية، إضافة إلى البدلات والإعانات، كما يصرف له نحو ألف دولار سنويــًا، لتطوير قدراته الذاتية، من خلال حضوره لدورات تدريبية، في معاهد خاصة ، أو شراء مستلزمات تقنية ، ذات صلة بالتعليم المتقدم..

وفي جمهورية الصين الشعبية أعطت الحكومات المتعاقبة ، أولوية كبيرة للتعليم، واعتبرته القطار الذي يقود الأمّة نحو التقدم ، وقد نال المعلّم نصيبًا كبيرًا من الاهتمام والرعاية ، التي كان يفتقدها في السابق ، مما دفعه إلى النهوض الواثق ، نحو أداء دور الرائد ، في المنظومة التعليمية..

ويتقاضي المعلّم الصيني في المتوسط ، راتبــًا شهريــًا، يتراوح بين 1200 إلى2000 يوان ، وهذا الراتب يعد معقولًا لإعالة الأسرة ، والتمتع بالراحة في ظل نمط الحياة المحلية ، إلى جانب ذلك تـصرف له حوافز وبدلات ، يرى أنها لا تـحقق طموحاته ، ويطالب بالمزيد من التقدير المادي..

وفى دولة اندونيسا تتفاوت رواتب المعلّمين بحسب المؤهل ، وسنوات الخبرة ما بين 500 و2000 دولار أمريكي شهريًا ، إلى جانب الحوافز والبدلات، وكان قد أعلن مؤخرًا، عن زيادة في رواتب المعلمين ، بنسبة تصل إلى 15%، في ظل موافقة الحكومة المركزية، على رفع ميزانية التعليم إلى20% من نفقات الدولة ، وتدفع النقابة العامة للمعلمين ، في سبيل تحقيق مزايا مادية جديدة للمعلم..

ووضعت الآمال العريضة على المعلم، ليكون قائدًا فاعلا في نهوض بلاده ، وتقدّمها الحضاري بعد ان كان حال المعلم إبان الحقبة الاستعمارية، وما بعدها مثقلا بالمشاكل والهموم، وجعلت حكومة بلاده في حقبة الاستعمار مهنته درجة ثانية ، وتعمّدت السعي نحو تدهور وضعه المهني..

واخير اختم مقالى بانه.. لا أمل في تطوير التعليم إن لم يتم الإرتقاء بالمعلمين ماديا, وكفالة حياة كريمة لهم ، واعطائهم مكانتهم..