الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

صناعة البلطجة واهانة المعلم في مدارسنا

الجمعة 17/نوفمبر/2017 - 08:12 م

عالم البلطجة داخل مدارسنا المصونة.. هذا الذي يتعمّد فيه الطالب البلطجي أن يهين زميله، يذله، يسخر من شخصه، من إبداعاته ليصير مثله جحر أصم قتلت روحه رغم نعومة أظافره.

 

لا فرق هنا يخص نوعية المدرسة. أو التعليم. او المستوي الإجتماعي للاهالي. فالمسألة تتعلق بالثقة في النفس والمعايير الأخلاقية. أي بصفة عامة الشخصية التي تدير العملية التربوية للطفل أو المراهق البلطجي. والذي يكبر فيصير رئيس مجلس إدارة بلطجي لا يعرف للنقاش الحر سبيلا. وأسلوبه الوحيد في الإدارة هو، فرض سلطته علي الآخرين، بقهرهم كما كان يفعل منذ كان صغيرا.

 

ثم ندعيّ الدهشة إذا ما رأينا حال مصرنا المتردّي أخلاقيا في العمل والزواج وغيره. أنّي بطفل تشرّب معاني البلطجة ومارسها منذ طفولته أن يصير مواطنا سويا صالحا يخدم مجتمعه؟

 

من أين تعتقدون أن ذلك يمكن؟

 

(2)

 

شهدت العديد من المواقف التي يمارس فيها البلطجة (الطلبة – الطلبة)، (المدرسين – الطلبة)، (أهالي- طلبة)، (أهالي-أهالي)

 

أبسط موقف كان عندما كان ابني في عامه الخامس الإبتدائي. في نهاية اليوم الدراسي ونظرا لتزاحمهم، لمس صديق ابني كتف أحد زملاؤه بقوة. فأسرع الأخير بضرب صديق ابني بوكزة مؤلمة. حتي الآن المسألة لا تتعدي (لعب عيال) إنما موقف والد الطالب الأخير خلال زيارة ثلاثتنا كأولياء أمور للمسئول عن تطبيق النظام، كان أنه قال:

 

-خدت حقك يا ابني.

 

كان هذا صوت الوالد الجهوري وهو ينادي في ابنه قبل ان يعرف ما إن كان معتدي أم معتدي عليه. المهم أن يأخذ حقه، حتي وأن كان يجور علي حقوق الآخرين ويقتل فيهم إنسانيتهم.

 

ويل لمفهوم الرجولة من آباء كهؤلاء!

 

(3)

 

تلك الثقافة لا تخص مصرنا فقط بل العالم أجمع حتي أن استراليا قد وضعت منذ 8 سنوات يوما وطنيا ضد البلطجة (16 مارس). فالأمر خطير وقد تودي بالطفل أن ينتحر او يكره نفسه. فالكل ينبذه أو يسخر منه أو إذا ما تصاعدت حدة المسألة، قد يعتدي عليه فتنتهي حياته.

 

يحدثنا الله عزوجل في القرآن الكريم:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(لا يسخر قوم من قوم)

 

صدق الله العظيم

 

ولكن لم يعد هناك شيخ يعلّم. ولا بيت يربي تربية أخلاقية. فصارت البلطجة هي المنهج التربوي. أو قل (قانون الغابة). حيث البلطجي يأكل ضحيته. وكلما أظهر الضحية ضعفه، كلما غذي ذلك شعور الوحشية لدي البلطجي. فيبلطج عليه أكثر.

 

هل يمكن أن تستمر مدارسنا هكذا؟

 

(4)

 

بطبيعة عملي وكوني ام، أتعامل مع العديد من الأنماط البشرية. مازلت أذكر الأب المثقف الذي طرد ابنه من المنزل وهو الطفل، ذلك أنه فقط تناقصت درجاته. أي وحشية! . أي قسوة يتربي عليها هؤلاء الأولاد! . فيمارسوا ما مارسوه معهم والديهم، مع الأبرياء غيرهم في المدرسة.

 

وياويل من تربّي علي التسامح والتفاهم وإلتماس الأعذار واللطف في التعامل! ذلك بالنسبة لهؤلاء الوحوش، لقمة سائغة.

 

فهل نتوقف عن تربية أبنائنا علي القيم الأخلاقية تماما؟ ونبدأ في ممارسة تعليمهم البلطجة أم أن هناك حلولا أخري لابد من تكاتفنا معا لمواجهتها مدرسة واسرة وطلاب؟

 

(5)

 

ما هي الخطوات العملية لمحاربة البلطجة داخل مدراسنا؟

 

1-بالنسبة للمدرسة.

 

وظيفة المدرسة هي تهيئة المناخ الآمن للعملية التعليمية. ولذلك لابد ان يكون لديها الوعي الكافي لمنع ممارسة كل أنواع البلطجة. وتحديد العواقب التي ستعود علي الطلبة، إن مارسوها.

 

بالإضافة لوعي الطلاب بصفة عامة وتدريبهم علي كيف يواجهوا البلطجة التي تمارس ضدهم.

 

فعلميا الطفل الخائف أو المهاجم (البلطجي والضحية). كلاهما، يندفع لديهما هرمون الأدرينالين، محدثا إضطرابا هائلا في قدرة الطالب علي تحصيل مواده العلمية.

 

فما بالك بتأثير البلطجي علي ضحيته، إذا ما تركته الاسرة والمدرسة ليواجه مصيره بنفسه! النهاية هي إصابته بحالة التوتر الدائم والتي تصاحبها إنخفاض شديد في قدرة الطالب علي الإستذكار. وتراجع همته وتدهور حالته النفسية وسعادته بصفة عامة.

 

أما عن تاثير الرفض علي مشاعره، فهي تعد أشد أنواع الإيذاء إيلاما ووجعا علي النفس الإنسانية. تحفر في الذاكرة وغالبا لا تنسي أبدا.

 

أي وجع نترك فيه أبنائنا. بل وقد ندفع فيه أموالنا! هل ليرجعوا لنا وقد ملأتهم عقد المجتمع وأسره. التي باتت في أغلبها إلا مارحم ربي في صراع بين الأب والأم وحالة إستنفار عصبي لا ينتهي يدفع ثمنه ليس أبنائهم وحدهم، بل ابناء كل المصريين الذين يخالطونهم. هل نهاجر إذن ونترك أرضنا للبطجية آباءا وأبناءا؟

 

أم يقف كل منّا آخذا بمسئولية دوره في الوقوف ضد الظاهرة؟

 

2- بالنسبة للأهل. هناك ثلاث أنواع من الآباء:

 

**(والدا الضحية)،

 

-درّب ابنك علي (المرونة) في التعامل. بحيث مهما مارس البلطجي معه إستهزاء أو سخرية، ولا أي إندهاش. يقف مبتسما ويسخر من سخريته. ولا يدافع عن نفسه أبدا أمامه. ولا يظهر إنهزامه ولا خوفه. فالبلطجي كالكلب، يغذيه شعور الخوف.

 

هل جربت أن تجري من كلب؟ يلهث خلفك بنباحه. أما إذا ما وقفت ثابتا شجاعا، يذهب عنك غير مكترث بك.

 

يحدثنا علم الإجتماع أن البلطجي يلعب لعبة (صراع قوي الغابة). فإذا ما مارس بلطجته ضدك، كان ذلك راجعا لرغبته في فرض السيطرة عليك بأن يؤذي مشاعرك. أما إذا لم يشعر أنك تأذيت. فسيتوقف وفورا.

 

-إفتح حوار دائم لا ينتهي مع ابنك. وكن متفهما، منصتا الإستماع له. تتأوه بآهاته. وتتنهد باوجاعه. هو يتألم بشدة مما فعلوه معه البلطجية زملائه.

 

أعمل معه مسرحية وألعب فيها دور البلطجي تارة. وهو يلعب دور الضحية حتي تعلّمه كيف يتصرف في مثل تلك المواقف. ثم تبادل الأدوار فيما بينكما.

 

**(والدا البلطجي)

 

أرجوكم راجعوا سلوكياتكم معه داخل المنزل. الطفل البلطجي هو طفل فاقد الثقة في نفسه. مارس معه أهله فيما يسمونها تربية زيفا وزورا، العديد من الوسائل الغير تربوية والتي ينشآ بها الطفل لا يشعر أبدا أنه يستحق أي شيء في الحياة. ذلك أنه يراي ذاته مهلهلة كما هدمتموها بعنفكم معه أو بتعليمه العنف.

 

** (والدا الأطفال المشاهدين للممارسات البلطجية)

 

ليس الحل أبدا في أن يفقد الولد أو البنت عفويتهما وإنطلاقهما وحريتهما في التعامل اللطيف خوفا، فهكذا أنتم تصنعون لابنائكم قيود أمان زائفة. تقتل شخصيتهم وروحهم الحرة شيئا فشيئا. ويصبحوا ماكينات لا تشعر أبدا بالسعادة مهما وصلت لما يسعدها. ذلك أنكم ربطتم إحساسهم بالأمان من مجتمع البلطجة ليس بالمواجهة بل. بقيود الخوف. والخوف لا يجتمع في قلب إنسان ابدا مع السعادة.

 

قد بلّغت إذن الرسالة فهل من مجيب؟