الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
منوعات

"الزواج المبكر" وراء حرمان الآف الفتيات من التعليم سنويًا بالأردن

الأحد 03/ديسمبر/2017 - 02:51 م
السبورة


أظهرت نتائج ورقة تحليلية صادرة عن دائرة الإحصاءات العامة خلال عام 2017 بشأن «الحالة الزواجية في الأردن»، بأن هنالك علاقة قوية ما بين الزواج المبكر والانقطاع عن التعليم، بينما تنص تعليمات الإذن بالزواج لمن هم دون 18 عاماً على ضرورة أن لا يكون الزواج سبباً في انقطاع الزوجة عن التعليم.

وكان مجلس الوزراء الأردني أقر قانونا في يوليو/تموز ينص على «يجوز للقاضي أن يأذن بزواج من أكمل خمسة عشر عاما إذا كان زواجه ضرورة تقتضيها المصلحة وفقا لأحكام هذه التعليمات»، وبموجب الفقرة (ب) من المادة (10) من قانون الأحوال الشخصية رقم (36) لسنة 2010، يتم منح إذن الزواج على ألا يتجاوز فارق السن بين الطرفين 15 عامًا، وأن تتحقق المحكمة من الضرورة التي تقتضيها المصلحة وما تتضمنه من تحقيق منفعة أو درء مفسدة وبما تراه مناسبا من وسائل التحقق، بالإضافة إلى أن يتحقق القاضي من الرضا والاختيار، وأثار هذا القانون ردود أفعال غاضبة ومستنكرة في المجتمع الأردني واعتبره الكثيرون اغتصابا بشرعية قانونية.

وأعلنت اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة في الأردن وشبكة مناهضة العنف ضد المرأة «شمعة» عن إطلاق حملتها السنوية للتصدي للعنف القائم على النوع الاجتماعي تحت شعار «لسه صغيرة عالزواج»، وتهدف الحملة إلى تسليط الضوء على تزويج الفتيات اللواتي تقل أعمارهن عن 18 عاما ورفع وعي المجتمع في محاولة للحد من الظاهرة التي تحتل حيزا كبيرا في الاتفاقيات الدولية لتأثيراتها المباشرة على حرمان المرأة من حقوقها الأساسية في الاختيار والتعليم والعمل، وهذا النوع من الزواج المنتشر في المجتمعات العربية يحرم الفتاة النمو الجسمي والاجتماعي والنفسي الطبيعي ويعرضها لمشكلات في حياتها الاسرية الجديدة بسبب عدم الفهم الصحيح للزواج والحقوق والواجبات الزوجية بالإضافة إلى تعرضها لمخاطر صحية وجسدية بسبب مضاعفات الحمل والولادة.

وأشار التقرير الإحصائي السنوي لعام 2015 والصادر عن دائرة قاضي القضاة في الأردن، إلى أن إجمالي حالات الطلاق التي أوقعت من زواج العام 2015 والخاص بالزوجة، في المملكة بلغت 5599 واقعة طلاق، منها 64.2% لزوجات أعمارهن أقل من 25 عاماً، ومن بينهن 494 قاصرة، وبنسبة 8.8%، علماً بأن إجمالي حالات الطلاق التراكمي خلال العام 2015 من زواج العام 2015 وما قبل وصل إلى 22070 واقعة طلاق ومن بينهن 1026 قاصرة، فيماأكد تقرير لدائرة الإحصاءات العامة حول الزواج العادي والمكرر، أن الحالات المسجلة في المحاكم الشرعية، بلغت العام الماضي 81343، بانخفاض طفيف جدا بلغ 30 حالة، مقارنة بالعام الذي سبقه (81373 حالة).

وكشف التقرير عن ارتفاع حالات الزواج المبكر (أقل من 18 عاماً) بنحو 41 حالة، وبلغت 10907 حالات العام الماضي، فيما كانت 10866 حالة العام 2015.

وأكدت أمين عام اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة الدكتورة سلمى النمس على أهمية مجابهة العنف المبني على النوع الاجتماعي، وخاصة زواج القصر، وتعزيز دور الرجال والشباب في مواجهة العنف، لافتة إلى تزايد ظاهرة زواج القصر على المستوى الوطني.

ونوهت النمس بطلاق الحملة الدولية السنوية لمناهضة العنف المبني على النوع الاجتماعي، بعنوان ‹›لسه صغيرة عالزواج» حيث دأبت اللجنة وشركاؤها على تنفيذ هذ الحملة سنوياً منذ العام 2008 في الفترة ما بين 25 تشرين الثاني (اكتوبر) ولغاية 10 كانون الأول (ديسمبر)، وأن نسبة الإناث اللواتي تزوجن العام 2015 دون 18 عاما بلغت 18.1 % على المستوى الوطني، منهن 11.6 % أردنيات و43.7 % سوريات، و13.5 % من الجنسيات الأخرى.

ولفت النمس تأتي الحملة استجابة لتوصيات الدراسة، التي قام بها المجلس الأعلى للسكان، حول زواج القاصرات في الأردن، وتبناها مجلس الوزراء والتي توصي برفع الوعي المجتمعي بالآثار المترتبة على تزويج القاصرات؛ إذ يتعرضن لضغوط اجتماعية ويكن غير مؤهلات بيولوجيا ونفسيا للحمل والإنجاب وتربية الأطفال ورعاية الأسرة، ويحرمن من التعليم والعمل، فيما توظف الحملة مجموعة من المواد التوعوية الموجهة للمجتمع المحلي، مثل إنتاج فيديوهات توعوية خاصة بزواج القصر، والعنف ضد المرأة، وسيتم عرضها من خلال التلفزيون الأردني، وتلفزيون رؤيا خلال فترة الحملة، إضافة لمواقع التواصل الاجتماعي، للوصول إلى الفئات المستهدفة بشكل أكبر، كما تم إنتاج تنويهات إذاعية تحمل رسائل إحصائية وتوعوية حول موضوع زواج القاصرات وآثاره من عدة جوانب، مثل الصحة والتعليم والعنف، سيتم بثها عبر أثير المحطات الإذاعية المحلية، وسيتخلل الحملة إنتاج أغنية حول زواج القصر من تلحين وغناء الفنانة الأردنية نداء شرارة، وستشمل الحملة جميع محافظات المملكة من خلال نشر 50 لوحة إعلانية تحمل رسائل توعوية، مثل الأرقام بتحكي: 19.6 % من القاصرات المتزوجات تعرضن لعنف جسدي ونفسي من قبل الزوج، مصيرها بين ايديكم ... طفولتها مش عبء عليكم، ‹› لسا بدري عليها.... المريول أحلى عليها، معقول طفلة تربي أطفال!!!!! سكوتها ما بعني رضاها، بكفي.... رجعوني على صفي».



بدورها الدكتورة هند البريزات الباحثة في علم الاجتماع علقت على الامر بالقول، عندما تكون الزوجة هي فتاة لم تكمل سن الثامنة عشرة من عمرها فان لهذا الزواج نتائج سلبية وقد تكون كارثية في بعض الأحيان، أولها حرمان وانتهاك للطفولة ويتبعها وعي غير مكتمل بسبب قلة الثقافة وعدم استكمال التعليم، وقد يتسبب لها هذا الزواج باضطرابات نفسية وأمراض جسدية. كما ان المشاكل الأسرية المتعددة في حال تعرضهن للتعنيف والاهانة والاهمال امر وارد جدا، إضافة الى الطلاق او الهروب من منزل الزوج بسبب الظروف القاسية التي قد تتعرض لها الفتاة، فعندما ترى من هم بعمرها لا زال بعضهن على مقاعد الدراسة او يتمتعن بطفولتهن فانه قد يؤدي الى حدوث مشاكل نفسية لدى الفتاة، فمن جهة هي زوجة ومن جهة أخرى لديها مسؤوليات كثيرة قد لا تحسن التصرف اتجاها. وجميع هذه الاثار تعود بمشاكل وظواهر اجتماعية غير مرغوبة تؤثر على المجتمع بشكل عام.


وتضيف البريزات ان زواج القاصرات هو الزواج الذي يتم بطرق رسمية أو غير رسمية للأطفال دون سن 18 وهو من القضايا القديمة الحديثة في المجتمعات كافة، والتي لها تبعات سلبية كثيرة على حياة القاصرات وعلى مستقبل أبنائهن وعلى المجتمع أيضا. فهذا النوع من الزواج يثير جدلا واسعا دائما خاصة عندما يتم انهاء طفولة فتاة والحكم عليها بحياة هي نفسها لا تدرك ما ينتظرها بسبب صغر سنها ولعدم وجود خبرة بالحياة والسبب الأهم لعدم اكمال تعلميها في معظم الحالات، فالقاصر هو / هي من يزال تحت وصاية الوالدين أو ولي الأمر أو كل فرد يعجز عن تولي مسؤولية نفسه / نفسها القانونية ويكون مرتبط ارتباط مباشر بالعائلة، وبناء على ما سبق هل يعقل أن يتم تزويج قاصر هي بالأصل تعجز عن تولي مسؤولية نفسها القانونية فكيف لها أن تبني مستقبلها أو مستقبل أبنائها؟، ففي دراسة اجراها المجلس الأعلى للسكان مؤخرا حول زواج القاصرات في الأردن تبين أنه من بين كل 10 نساء متزوجات هناك فتاة قاصر متزوجة، اذ بلغ عدد الفتيات القاصرات الأردنيات دون سن البلوغ (253155) فتاة خلال عام 2015 وبينت الدراسة أن هؤلاء الفتيات القاصرات هن الأقل تعليما والأضعف من حيث المشاركة الاقتصادية والاضعف من حيث تمتعهن بتأمين صحي كما أن أزواجهن في الغالب وظائفهم غير مستقرة.

ولفت البريزات تعتبر الفتيات من هن دون سن البلوغ غير ناضجات فكريا أو حتى عاطفيا وبالتالي لا يمكنهن في معظم الحالات أن يتخذن القرار المناسب أو أن يتحملن المسؤولية كاملة، وتتعدد الأسباب التي تدفع بالفتيات القاصرات للزواج، منها الفقر الذي قد يدفع بالكثير من العائلات الى تزويج بناتهن للحصول على المال أو للتخلص من مسؤوليتهن من حيث عدم القدرة على اطعامهن أو تعلميهن أو حتى معالجتهن، فيلجأ ولي الأمر لدفع ابتنه الى مصير مجهول، من جهة أخرى قد يجد البعض في الزواج من قاصر تقليل لتكاليف الزواج بحيث أنها ستكون غير متطلبة إما بسبب عدم وعيها أو لإرادة الأهل بالحصول على مبلغ من المال حتى لو كان بسيطا، أما الجهل الفكري المرتبط بالعادات والتقاليد وعدم التعليم فانه أجبر الكثير من الفتيات القاصرات للزواج بعمر صغير جدا وكأنهن يتعرضن للوأد كما في عصور سابقة، من جهة أخرى قد تكون الأسباب متعلقة بعجز أو مرض الوالدين أو الوفاة، فيكون الحل هو الزواج من أجل « السترة» والخوف من عدم الزواج للفتاة عندما تتجاوز سن معين، وأيضا من أجل تخفيف العبء على العائلة عندما يكون هناك عدد كبير من الفتيات في المنزل خاصة ممن يتكرر رسوبهن أو بسبب التسرب المدرسي، كما أن الاعلام والتكنولوجيا لعبا دورا في التأثير على تفكير شريحة كبيرة بالمجتمع خاصة الفتيات دون سن 18 الأمر الذي عزز لديهن فكرة الزواج والتخلي عن اكمال تعليمهن.


وتقول البريزات ان التعليم الذي ركزت عليه الحقوق الدولية والاتفاقيات والدساتير وأيضا حثتنا الديانات السماوية عليه هو حق من حقوق أي طفل ورغم أهميته لبناء أجيال واعية مثقفة، الا أن زواج الفتيات القاصرات أو زواج الأطفال قد حرم ويحرم الكثير من استكمال دراستهن مما يؤدي الى ضعف فكري ومعنوي لدى الفتاة المتزوجة ولدى أبنائها في المستقبل على الأغلب. ان عدم انتظام الفتيات بالدراسة في المدارس خاصة ضمن التعليم النظامي أيضا يؤثر على شخصيتهن وعلى طريقة تفكيرهن الأمر الذي ينعكس على عدم اهتمامهن بتعليم أبنائهن في المستقبل وقد يكررون نفس تجربة والدتهم. فالأصل هو تعليم الفتيات وتمكينهن وجعل التعليم ركيزة أساسية في حياتهن كون أن تعليم الاناث من العوامل المؤثرة في التنمية خاصة اللواتي يتمتعن بمواهب وقدرات متميزة، وهنا يجدر إعادة النظر بقانون تزويج القاصرات وأيضا القوانين والاستراتيجيات الخاصة بالتعليم للفتيات القاصرات وضرورة ادماجهن مع زميلاتهن من نفس العمر الا أن الخوف من أن ينقلن حياتهن الزوجية للمدرسة يحول دون الدراسة المنتظمة في المدارس، وهنا يجب إعادة النظر بهذه المسألة والاستفادة من خبرات الاخصائيين في هذا المجال لتشجيعهن على اكمال دراستهن حتى لو كان هناك رفض من قبل الزوج او العائلة ولضمان عدم تأثيرهن على زميلاتهن بالمدرسة.


وتشير جمعية معهد تضامن النساء الأردني «تضامن» إلى أن الزواج المبكر يؤثر سلباً على تعليم الفتيات بمستوياته المختلفة حتى الدراسات الجامعية والعليا، ويؤدي تزويجهن المبكر عملياً إلى انقطاعهن عن التعليم وبالتالي حرمانهن من هذا الحق الأساسي من حقوقهن، ويؤثر بشكل مباشر على قدرتهن في الحصول على أعمال ووظائف تساهم في تنمية المجتمع تنمية شاملة ومستدامة، ويضعف قدراتهن الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على حد سواء.

وتؤكد تضامن على ظاهرة الزواج المبكر أحد أهم الأسباب التي تعيق حصول الفتيات الصغيرات على حقوقهن ، ويعرض حياتهن للخطر ويحرمهن من التعليم ومن ممارسة حقوقهن كطفلات، ويفضي الى تلقي الصغيرات لنشاط جنسي في فترة لا يعرفن فيها الكثير عن أجسادهن وصحتهن الجنسية والإنجابية ويتعرضن بسبب ضغوطات عديدة لحمل متتابع مما يحرمهن من تنظيم الأسرة.

وتشير تضامن الى أن نسبة الزواج المبكر الى إجمالي حالات الزواج ثبتت على ارتفاع خلال آخر عامين، على الرغم من الجهود التوعوية والإرشادية التي تبذلها مختلف الجهات والمؤسسات للحد منها. فلم تتراجع هذه النسبة التي سجلت خلال عامي 2016 و 2015 حوالي 13.4%، وأن الزواج المبكر يضع الفتيات القاصرات أمام خطر التعرض لمضاعفات الحمل والوفاة بسببه، إذ تؤكد منظمة الصحة العالمية على أن المراهقات يواجهن أكثر من النساء الأكبر سناً أخطار الوفاة بسبب الأمومة، وتعرف وفيات الأمومة بأنها وفاة المرأة أثناء الحمل أو الولادة أو في غضون 6 أسابيع من الولادة.