الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

هل تحتاج الهيئة القومية لضمان الجودة لـ"ضمان جودة" ؟

السبت 06/يناير/2018 - 07:40 م

تم إنشاء الهيئة القومية لضمان الجودة وصدر قانونها منذ عام 2006 اي منذ اكثر من 11 عاما ..!! سبقها العديد من الاعوام للتخطيط لمهامها ووضع مواد قانونها وظهورها للنور, و تم تحديد نفقات رسوم الاعتماد والتي وصلت لخمسين الف جنية للمؤسسة الواحدة ..!  والتسويق لدوراتها التدريبية والتي وصل سعر الدورة الواحدة لمبالغ كبيرة, وتجاهل الأصوات التي نادت بجمع محتوي تلك الدورات وجعلها مقرر يتم تدريسه مجاني بمرحلة الدراسات العليا بجامعات مصر لنشر ثقافة الجودة وتطويرها كما ينبغي لإعداد أجيال على علم ودراية كاملة بما يجب ان تكون علية جودة التعليم ..!!

منذ إحدي عشر عاما والهيئة القومية لضمان الجودة مستمرة في ممارسة مهامها لتوكيد الجودة بمؤسساتنا التعليمية بمصر, بما يعني مرور فترة زمنية كبيرة, تخرج خلالها العديد من الأجيال لسوق العمل, بل ووصل بعضهم لمرحلة الدكتوراة بالدراسات العليا, وتزامن مع إنشاء الهيئة العديد من مشروعات التطوير التي صرفت ملايين الجنيهات - بعضها قروض دولية وبعضها منح والبعض الآخر من ميزانية الدولة - وذلك لمساندة المؤسسات التعليمية للحصول على الاعتماد .. واهتمت بعض تلك المشروعات بدهانات المباني وطريقة فتح الأبواب للطوارئ لتفتح للخارج وليس للداخل, وحجم الشباك والتهوية, وبعض من تجهيزات المعامل والكراسي  ..الخ  وتم بالفعل إعتماد العديد من الكليات والمعاهد والمدارس بمصر ..!

ورغم ما سبق..  فقد حققت مصر مراكز متأخرة وصلت لذيل القائمة في  مؤشر جودة التعليم الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي بـ دافوس, ولم يتعدي عدد الجامعات التي دخلت التصنيفات الدولية اصابع اليد الواحدة, بخلاف ان كافة المراكز التي حصلت عليها هذة الجامعات كانت في ذيل التصنيفات الدولية, والأكثر غرابة يتمثل في عدم اعتراف بعض الدول  مؤخرا ببعض الشهادات التي تمنح من مؤسساتنا التعليمية ...!!؟

رغم تلك السنوات والميزانيات المنصرفة .. فلازالت هناك فجوة بين مؤهلات الخريجين ومتطلبات سوق العمل, ولازالت الأرشفة الورقية والروتين القاتل والبيروقراطية هي الأساس المبني عليه العمل الإداري, ولازالت الحوكمة تطبق على الورق فقط , والشفافية غير متوفرة بمؤسساتنا التعليمية, ولازالت الخطط الاستراتيجية التعليمية والبحثية للمؤسسات التعليمية بمعزل عن خطة الدولة. وهنا نتساءل أين هي إنجازات الإحدى عشر عاما وما سبقها من إعداد, والجدوى الفعلية الملموسة - "وليست المكتوبة" -  من مشروعات التطوير والمؤثرة على كل ما سبق..!!

 فرغم حصول العديد من المدارس والكليات على شهادة اعتماد بتوكيد الجودة .. فلم يكن هناك فارق في التقديم للالتحاق بالكليات ما بين خريج مدرسة معتمدة وخريج مدرسة غير معتمدة, ولا يوجد فوارق أو مميزات في القبول بالكليات بين كلية معتمدة وأخرى غير معتمدة, حتى سوق العمل لم يضع أي اعتبار لخريج كلية معتمدة مقارنه بغير المعتمدة من ضمن مصوغات التعيين, وهو نتيجة طبيعية بسبب عدم شعور المجتمع بفارق في مستوى خريج المؤسسة التي حصلت على الاعتماد وبين خريج المؤسسة التي لم تحصل عليه, فالمناهج لم تتغير, وقدرات أعضاء هيئة التدريس التخصصية كما هي, والنظام الإداري ايضا كما هو ..!  حتى الرواتب كما هي , فحافز الاعتماد لم يصرف لأعضاء هيئة التدريس بالكليات التي تم اعتمادها...! حتى فرص عمل الخريجين في العمل خارج مصر لم تتغير,  بل على العكس فقديما وببعض التخصصات المطلوبة للعمل بدول الخليج,  كان يتم قبول الخريج المصري بمجرد حصوله على شهادة البكالوريوس, ثم تطور الأمر وبدأت قنصليات تلك الدول تعقد امتحانات للمتقدمين, ثم تدريجيا اشترطوا  تقدير عام لا يقل عن جيد ثم أضافوا شرط اجتياز امتحان خاص يعقد بالقنصليات, بما يعني إن مستوى الخريجين في تدهور, ولم يكن هناك أي تأثير لل 11 عاما وما سبقها من عمر الهيئة .. بل ولم تضع تلك الدول شرط ان يكون المتقدم خريج من كلية حاصله على شهادة الإعتماد او لا ..!!

ورغم ان دستور مصر قد نص صراحة على التزام الدولة بتوفير التعليم بأنواعه -"ما قبل الجامعي والجامعي والفني" "وفقاً لمعايير الجودة العالمية" في  مواد 19 و 20 و 21 , فلازالت المعايير التي تبني عليها الهيئة القومية حكمها على المؤسسات التعليمية هي معايير محلية بها جوانب قصور وثغرات, و يوجد بينها وبين المعايير الدولية فجوة يجب ان يتم العمل على تقليلها وإصلاح ما بها من ثغرات, فهناك معايير يقيدها قانون تنظيم الجامعات وتعتبر حبر على ورق يتم استيفاءه نظريا وغير قابلة للتطوير او التغيير وعلى سبيل المثال :

المعيار الثالث من ال 16 معيار الذي وضعتهم الهيئة للحكم على المؤسسات ومنحها شهادة اعتماد هو معيار ( القيادة والحوكمة ) وهو من أهم المعايير, لأنه مرتبط بالقيادات الأكاديمية وآليات تقييم كفاءتهم, وترجع أهمية هذا المعيار بأنه العمود الفقري للمؤسسات التعليمية ونظم إدارتها و أي مؤسسة لو فرضت عليها قيادة غير مؤهلة او ضعيفة أو قلت كفاءتها, فالنتيجة الطبيعية هي تدهور المؤسسة بلا أدنى شك. يقيس هذا المعيار وسائل مشاركة أعضاء هيئة التدريس في اختيار قياداتهم وآليات تقييم كفاءتهم, وفي حالة كافة المؤسسات التعليمية الحكومية  فهذا المعيار  متساوي لانعدام وجود اي إمكانية لمشاركة أعضاء هيئة التدريس في اختيار قياداتهم, لانها تتم بالتعيين طبقا للقانون , مع انعدام وجود أي آليات لتقويم الأداء السلبي للقيادات إن وجد , فقانون تنظيم الجامعات صريح وواضح وسلبيات قانون تعيين القيادات معروفة للجميع ومفروضة أيضا على الجميع , ولا توجد آليات للمحاسبة علي أخطاء القيادات في الأداء, وبالتالي انعدام التقييم والتقويم واستمرار السلبيات "إن وجدت" طوال فترة تعيين تلك القيادة  ..!!

نفس الأمر في المعيار الثاني الخاص بالهيكل التنظيمي:

 فهو معيار شكلي ورقي بحت, ومتساوي في كافة المؤسسات بنفس الشكل, فالكليات ليست لديها رفاهية الخروج عن قانون تنظيم الجامعات من حيث التوصيفات الوظيفية للقيادات او تغيير مسؤولياتها أو استحداث إدارات متخصصة جديدة بخلاف المنصوص علية في قانون تنظيم الجامعات من وجود إدارات محددة كشؤون الطلبة والدراسات العليا والشئون الإدارية والمالية, إلا فقط من حيث استحداث وحدات صغيرة خاصة, وحتى هذا الأمر يواجه بمعوقات تتسبب في فشله لو كانت الوحدات المستحدثة خدمية تتطلب موازنه مالية, لأنها تخضع لنظام وزارة المالية والمرتبط بالمخصصات المالية الشبة منعدمة, وحتى لو كانت وحدة إنتاجية ستدر ربح مالي فلا تستطيع المؤسسة الاستفادة من كامل الربح بسبب الروتين الحكومي, وتحصيل وزارة المالية نسبة دائمة من كافة واردات المؤسسة, وهو ما يتسبب في عدم استطاعة الوحدات الخاصة بالكليات إلي منافسة القطاع الخاص بسبب تلك القيود وبالتالي هروب الكفاءات منها وضعف إنتاجها .

وعلى هذا المنوال غالبية ثغرات محور القدرة المؤسسية الذي يتضمن ثمانية معايير من بين 16 معيار والتي حددتها الهيئة للقياس .

اما محور الفاعلية التعليمية لم يخلو هو الآخر من ثغرات تحوله لمجرد تستيف أوراق, فالمعيار العاشر على سبيل المثال والخاص بالمعايير الأكاديمية القياسية القومية و قياس إجراءات تبنيها والتوعية بها, وتوافق البرامج التعليمية معها, وتوصيف وتقارير المقررات والبرامج الدراسية ...الخ

 فإذا كانت تلك المعايير هي معايير محلية وضعتها الهيئة القومية لضمان الجودة, فكيف لها ان تبنى بشكل خاطئ وتفصل المعرفة والفهم عن المهارات الذهنية ..!  وتهمل الإبداع والابتكار والذي هو من المفترض أن يكون من أساسيات وصلب عمل الجامعات.  

نحن لازالت لدينا فجوة قد تصل لمرحلة دراسية كاملة بين شهادتنا وبين الشهادات التي تمنحها الجامعات المرموقة بالدول المتقدمة, فاختبار القبول لمرحلة تمهيدي دكتوراة بمصر في الكليات التي تطلب ذلك على سبيل المثال قد يتساوى مع اختبار القبول للماجستير بالدول المتقدمة وهذا يعود للتعليم ما قبل الجامعي المنفصل تماما عن الجامعي.

للأسف هم ينظرون وين ظِّ رون "بالتشديد مع الكسر لحرف  ظ " لجودة التعليم ومخرجاته كأمور آلية تختص بتوافر الموارد وتخصيصها وكفاءة استخدامها كالمصانع والآلات وانتاجهم القابل للبيع والشراء , لا من حيث كونها جودة تعليم بشر منذ مرحلة الطفولة وما قبل الالتحاق بالمدرسة وحتى الالتحاق بسوق العمل, فلا يمكن الفصل بين اي مرحلة من تلك المراحل لأنها تشكل هرم تعليمي مرتبط  باحتياجات المجتمع ورؤية وخطة تقدم هذا الوطن, وكيفية ضمان تعليم راقِ لكل مواطن يمكنه من حياة كريمة ليصبح فاعلا ومطورا بوطنه ليشد أزر الوطن ويتقدم به لمصاف الدول المتقدمة..

 وأخيرا هل نحن في حاجة لوضع معايير ضمان الجودة للهيئة القومية نفسها, ومشروعات التطوير, وقياس أدائهم  ..؟!!