من الفاروق عمر بن الخطاب إلينا....(لا آَمُرُكَ ولا أَنهاكَ!)
الخميس 22/يناير/2015 - 12:55 ص
يُذكَرُ أن الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه وأرضاه - حين ذهب لزيارة الشام أثناء حكمه ، وكان معاوية بن أبي سفيان والياً عليها ، ذهب الفاروق عمر ، هذا الرجل المغوار الزاهدُ الذي لا يخاف في الحق لومة لائم ، والخليفة الذي دانت لحكمه أراضٍ من بلاد فارس ( إيران حالياً ) إلي البحرين المتوسط والأحمر ، في إمبراطوريةٍ واحدة شاسعة الأراضي مترامية الأطراف ، أقول : ذهب الفاروق إلي الشام راكباً بغلاً ، وعليه ثيابٌ خشنة وهو من هو!...كان الفاروق يظن أن معاوية سيأتيه بنفس الصورة المتقشفة الزاهدة إلا أنه فوجئ به يأتيه في موكب مهيب لابساً ثياب العز والفخار، راكباً حصاناً مُطَهَماً !...
غضب الفاروق مما رأي من إسراف معاوية في البذخ ومغالاته في مظاهر الأبهة والفخامة ، وأشاح بوجهه عنه ولم يكلمه حتي بلغ الخوف من معاوية ومعاونيه مَبْلَغَه ، فقال له الناس : يا أمير المؤمنين !، لقد أَتْعَبْتَ الرجل!...عندئذ قال عمر لمعاوية مستنكراً :هذا حالك ، مع ما بلغني عنك من طول وقوف ذوي الحاجات ببابك ؟! ، قال : نعم ، فسأل عمر: ولمَ تفعل ذلك ؟ قال معاوية كلمةً من كلماته الخالدة : نحن بأرضٍ ، جواسيسُ العدو بها كثيرُ، فيجب أن نُظهر من عز السلطان ما يُرهبهم ، فإن نهيتني انتهيت!...وأضاف البعض إنه قال : إنا ببلاد قد اعتادت علي أُبهة وفخامة ملوكها ، فإن رأوا منا ما دون ذلك احتقرونا . قال عمر : لئن كنتَ صادقاً فهي حجة أريب ، وإن كنتَ كاذباً فهي خدعة لبيب ، لا آَمُرُكَ ولا أنهاكَ !!!
هذا الموقف الذي سطره التاريخ بين قائدين عظيمين وداهيتين من دواهي الحكم والإدارة ، هذا الموقف يعكس مدي ذكاء الحاكم في معرفة الأرض التي يحكمها وطباع الناس الذين يسوسهم كما فعل معاوية ،ويعكس عبقرية القيادة حين تضع رجالها في أماكنهم المناسبة وتُقَدِّرُ الإدارة أن لكل مكان و أوان أحكام وطرائق في الحكم لا ينصلح الحال إلا بها حتي ولو كانت علي غير ما نعرف أو نحب!..المهم أن يتحمل المسئول نتيجة اختياراته وقراراته أمام الله والناس والتاريخ!.وهذا هو ما فعله الفاروق عمر حين قال لواليه معاوية: لا آمرك ولا أنهاك.إنها سِيَرُالعظماء التي ورثناها لنتعلم ونفهم .
وتمر الأيام ..
وتبقي الكلمة العمرية الخالدة : لا آَمُرُكَ ولا أنهاكَ ، فلقد اختلفنا كثيراً في قراراتنا العربية ، ولم ندرك أبداً أن الأحكام - أحياناً - لا يجب أن تميل نحو الَّنعَم أو اللا ، وإنما العبرة بالتجربة!، وأننا حين نتخذ بعض القرارات - خاصة المصيرية في حياة الأمم - فلابد وأن نقرأ واقعنا ومعطياتنا جيداً حتي نتخذ قرارات هي أقرب لمصالحنا. ولا أنسي أنني استحضرتُ المقولة العُمَرية حين قرأتُ عن حرب الجيش المصري باليمن في الستينيات من القرن الماضي ، كثيرون قالوا عنها : هي حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل!، وما خسرناه من رجال وعتاد كان أكبر من احتمال قدرتنا العسكرية والاقتصادية ، بل وإنها من الأسباب غير المباشرة لنكسة 67 لأنها أنهكت قواتنا المسلحة ، كما يذكرون.
والبعض الآخر وعلي رأسهم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ، كان يري أن استقرار اليمن وهدوء أوضاعه أمن قومي مصري ومن ثَمَّ أمن قومي عربي لاجدال فيه ، فاليمن هو مفتاح مَضِيق باب المندب والذي هو مدخل قناة السويس ، ومعني أن يضيع اليمن وسط حرب أهلية وقلاقل سياسية ، أن معبرقناة السويس في خطر ، وهو مالم يسمح به عبد الناصر ولم يكن ليسمح مهما كانت التضحيات . أما أنا كمواطنة مصرية ، فقد وجدتني لا أعرف إلي أين أميل !...خاصة وأن الجيش المصري في هذا الوقت كان تقريباً هو الجيش الناهض الوحيد في المنطقة العربية ، لذلك كان العبء عليه كبيراً. ووجدتُ الكلمة العمرية تثب إلي ذهني : لا آمرك ولا أنهاك ، إنما التاريخ والتجربة هما الذين يحكمان علي صحة بعض القرارات المصيرية أو خطئها!
وتمر الأيام ..
ويوقع الرئيس السادات معاهدة السلام مع إسرائيل بعد انتصارات عظيمة في أكتوبر 73 ، كثيرون قالوا : نعم للسلام وكفانا سفكاً للدماء ، والبعض الآخرقال: لا ، فكيف التصالح مع عدو يعيث فساداً في الأرض العربية ، ورفعوا شعار: لا تصالح !
ومرة أخري تستدعي ذاكرتي : لا آَمُرُكَ ولا أنهاكَ!
وتمر الأيام..
والآن هذه هي اليمن تعيش فترة عصيبة ، فهاهم الحوثيون الموالون لإيران قد سيطروا علي المباني الرئاسية اليمنية ومبني التليفزيون هناك ، وها هي دعوات لانفصال الجنوب اليمني عن شماله ،يأيها السادة الساسة : نحن الشعوب العربية لا نأمركم ولا ننهاكم ، ولكن تأكدوا أنكم ستحاسبون يوماً علي اختياراتكم ، فانتبهوا!