رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

الجُبن الأبيض

الأحد 13/فبراير/2022 - 11:56 م

اعتدت كل ليلة على التسوق لشراء بعض احتياجاتي لم تدق عقارب الساعة العاشرة مساءً بعد وبليلة صيف هادئة داعب نسيمها وشاحي جذبتني شوارع المحروسة عُنوة.عُنوة ولكن تخللتها متعة رفقة الصديقات ولذة الحديث إليهن .
اتجهت ناحية إحدى المحال لشراء بعض احتياجات المنزل وساقتني خطواتي البطيئة أنا وصديقاتي نحو قسم البقالة وإذا بصوت مرتعش يجذب مسمعي لم يسعفني ذكائي للوهلة الأولى لتحديد هوية صاحب هذا الصوت المرتعش إن كان لرجلاً او إمرأة او رُبما دُمية لأحد أطفال زبائن المحل.

ووجدتها ليلاً …..إمرأة عجوز تقاسيم وجهها المترهل دلت على بلوغها الكثير وخانني ذكائي للمرة الثانية على التوالي في خلال لحظات بتحديد عمرها الفعلي ولكنني فطنت لبرهة” بالتأكيد تعدت العقد التاسع من العُمر او أقل بسنوات قلائل” .

ارتدت جلبابًا مهندمًا نوعًا ما وانتعلت حذاءّ خفيفًا لكنه اخفق في توازنها وتصطحبها فتاة جميلة ربما لم تتعد السادسة عشر بيضاء البشرة ذات ملامح أوروبية وجسد رشيق ينم عن عُذرية فتاة مدللة تخطو أولى خطوات طريق الصِبا .

وإذا بالعجوز صاحبة النبرة المرتعشة تطلق كلماتً اثارت متابعتي لحوارها المرتعش مع الباعة “انت حطيت الجبنة”وما أن أصدرت تلك الكلمات المرتعشة واخترق مسمعي قهقهة الباعة ،نظرات السخرية التي ملأت نظراتهم إليها حملت في طياتها الكثير وكأنهم يكادوا يتسائلون كيف يليق لسيدة مثلك بالبحث عن قطعة جُبن ؟كيف يتسنى لك أيها العجوز في معاندة الظروف وطلبك للجُبن الأبيض؟الايكفيكي طعام السنين؟! الا يكفيكي كِسرة خُبز وشربة ماء لتعيشين ما يتبقى لك من العُمر؟!وكيف لك أن تعيشين كل هذة السنين؟!

وازدادت قهقهة الباعة وأخذوا يتلامزون ويسخرون ورمقت العجوز بنظرة محاولة مني في فهم ما يدور بفكرها ..ولكنني وجدتها الى حد ما تكاد تكون مدركةً لما يحدث حولها من سخرية الشباب ولكن خانتها قواها الجسدية والفكرية على مواجهتهم .لم تسعفها الظروف في الدفاع عن كرامتها …لكنها احست ،لم تعطها الحياة فرصة إثبات الذات في هذة السن المتقدم رغم محاولاتها المستميتة في فرض سيطرتها كإنسانة لازالت تعلن الحياة .