"المجالس العرفية" قضاءاً موازياً لقضاء الدولة ..هى الحل واحكامها نفاذة
المجالس العرفية تلعب دوراً كبيراً في الخبرة المصرية في التعامل مع الصراعات المجتمعية المختلفة، حيث ساهمت الآليات العرفية في إنهاء العديد من المشاكل والخصومات بين العائلات والقبائل عن طريق دفع الدية أو التكفل بتعويض التلفيات، وأيضاً يمكن أن تكون وسيلة ناجحة في التعامل مع المشكلات والصراعات الميدانية مثل "الصراع حول قطعة أرض، المشاجرات، قضايا الشرف، والصراعات المالية" وهنا يكون اللجوء إلى المجالس العرفية مهم؛ فتشكل المجالس العرفية قضاءاً موازياً لقضاء الدولة، ويعود انتشار ظاهرة المجالس العرفية إلى عدة أسباب ويعد بطء الإجراءات الأمنية أبرزها، فيضطر سواء الجاني أو المجني علية إلى عقد جلسات صلح ودفع الدية لإنهاء الخصومة بين كلا الطرفين، ففي المجالس العرفية لا مجال للطعن أو رفض أو تأجيل الحكم فهو واجب النفاذ دون تأخير.
وبسؤال - أحد المختصين بشئون القضاء، عن
وجود قوانين تنص على الصلح الودي من عدمه، أكد أن القانون الجنائي لا يوجد به ما يمكن
معه حل النزاعات والقضايا بطريق المجالس العرفية، فالقانون نص على جواز الصلح في بعض
الجرائم دون البعض الاخر، وأشار إلي المادة رقم 64 من قانون المرافعات المدنية والتجارية،
والتي تنص على الصلح إلا أنها قصرت مجالس الصلح علي النزاعات التجارية والمدنية فقط
ولم تشمل النزاعات الجنائية، مشيراً إلى أن هذه المجالس وليده العرف ليس إلا، إذ وجدت
لنفسها سبيلاً حينما وُجِدَت حاجة الناس في حل مشكلاتهم وقضاياهم بعيداً عن بطء التقاضي
ودرجاتة.
وبالحديث مع - أحد المحكمين العرفيين أو ما يطلق عليه في العُرف
"مُرضي"، ويدعى محمد الأقرع بشأن المجالس العرفية ودورها في حل قضايا ومشكلات
المجتمع، أفاد بأنه أحد المحكمين العرفيين بمحافظة البحيرة وذلك منذ فترة زمنية تتجاوز
خمسة عشرعاماً، وأضاف أنة قام بالتحكيم عرفياً في عدة قضايا مختلفة، مضيفاً أن هذه
القضايا تتنوع ما بين "قضايا القتل، السرقة، قضايا الشرف والاعتبار، وأخيراً قضايا
النصب والتعدي على ممتلكات الغير" مؤكداً على أثر تلك المجالس الكبير في حل النزاعات
والخلافات بطريقة ودية وموجزة خاصةً في صعيد مصر وريفها.
وفي هذا الصدد أشار "الأقرع"
إلي نزاع بين عائلتين من عائلات كفر الدوار بالبحيرة، حيث يتلخص هذا النزاع في خلاف
على قطعة أرض زراعية، فقد قام الطرف الأول ببيع قطعة أرض زراعية للطرف الثاني هذا الطرف
توجد بينه وبين جيران هذه الأرض خصومة ثأرية سابقة.
وبسؤال أحد أطراف النزاع أفاد بأنه حدث
نزاع بينه وبين الطرف الأخر، ولكنه لم يقم برفع دعوى قضائية بشأن ذلك النزاع وإنما
فضل حله ودياً، وأفاد أن النزاع حدث على قطعة أرض زراعية مساحتها 2 قيراط، لكنه انتهى
بعدما قام الحاضرون بحل النزاع بالحكم بأن يتم الرجوع في عملية البيع، وتم تنفيذ هذا
الحكم حقناً للدماء؛ بعدما وافق كل الأطراف عليه.
وأشار يوسف هيكل - أحد المحكمين العرفيين،
إلي أكثر المشاكل العرفية التي أثرت فيه بحكم تنوع المشكلات والقضايا التي مرت عليه
قائلاً: بعيداً عن جرائم النفس، والتجاوزات والتعديات المادية، هناك أيضاً تجاوز أخلاقي
لا يقل أهمية عن جرائم النفس، وبسؤاله عن طبيعة هذه القضايا قال: توجه إليّ أحد الأباء
كانت تحتبس دموعه في عينيه، يلتقط أنفاسه بصعوبة وكأنه مريض بالقلب يحتضر من شده الصدمة
التي تعرض لها، وهى قيام أحد أبنائه ويبلغ من العمر خمسة وثلاثون عاماً، بالتعدي عليه
بالسب والقذف حتى وصل به الأمر أنه أشهر السكين في وجه أبيه وهدده بالقتل.
وبسؤال الأب عن رد فعله حيال ما
حدث له قال: أردت أن أحرر محضراً بالواقعة إلا أنني لم استطع أن أفعل بابني هذا خوفاً
عليه من السجن أو الإهانة، فلجأت إلي أحد المحكمين العرفيين بعد أن نصحني الجيران لكي
يتم حل هذه المشكلة دون أن يتأذى ابني وفي نفس الوقت لكي يقوم بالرجوع عما فعله بي.
رفض الابن الذهاب إلي المحكم العرفي في
بداية الأمر إلا أنه ذهب بمفرده بعد يومين من الواقعة بمحض إرادته، وبسؤال الابن عما
حدث قال: "سيفعل بي أولادي كما فعلت بأبي" ونهض الولد وقال أنه على اتم استعداد
لكي يعتذر ويقبل قدم أبيه أمام الحضور، وبالفعل بعدما جاء الأب نهض الولد وقام بتقبيل
يد ورأس والده، ثم انحني مقبلاً قدم أبيه ولم ينهض حتي قال والده سامحته من قلبي.
ومن هنا تأتي ميزة المجالس العرفية، فإذا
تم تحرير محضر في مثل هذه القضية كانت ستزيد الخصومة والفجوة بين الأب وابنه، وأخيراً
يجب على الدولة أن تدعم هذه المجالس لما لها من دور فعال في حل النزاعات، فعلى سبيل
المثال قام قاضي جنايات بمحافظة البحيرة بتأجيل النطق بالحكم على 3 متهمين لإحداثهم
عاهات مستديمة لخصومهم أثر مشاجرة وقعت بينهم، عندما نما إلى علمه إقامة مجلس عرفي
لحل النزاع ودياً، حيث قام بتأجيل النطق بالحكم لجلسة 7/1/2020 لحين الوقوف علي أحكام المجلس العرفي، وهذا دليل
قاطع على دور تلك المجالس في حل النزاعات وتأثيرها الكبير على المواطنين خاصةً ريف
مصر وصعيدها.
