الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

بعيدا عن السياسة.. حصة التعبير

الثلاثاء 23/مارس/2021 - 10:18 ص

القائمون على التعليم ومعهم جزء كبير من الأهل لم يدركوا أهمية حصة الرسم (التربية الفنية) في العملية التعليمية، ودورها في بناء شخصية الطفل، لم يدركوا أيضا دور حصة التعبير وأهميتها.


فإذا كان من فوائد تعلم الرسم وخاصة في الصغر تنمية الذوق والإحساس، وكما يقول علماء النفس بأنه وسيلة لتفريغ الطاقات والتنفيس عن الرغبات المكبوتة، وإذا كان من الممكن تحليل شخصية الطفل من خلال رسوماته واختياره للألوان، فالكتابة أيضا تعد أحد أهم أساليب التعبير عن النفس..


كلنا نعرف أن هناك "تعبير تحريري" وقد لا يعرف الكثير منا أنه من المفترض أن يكون هناك أيضا ً " التعبير الشفهي "، والتعبير الشفهي بمثابة التدريب العملي في الصغر على القدرة على الارتجال، وطلاقة اللسان، وهذا يفسر لنا الفروق الكبيرة بين المسئولين عند سماع تصريحاتهم، وتفاوت قدراتهم عند الإجابة على الأسئلة..


ولذلك فأهمية حصة التعبير لا تنحصر فقط في كونها تنمي مهارة الكتابة واكتساب المفردات وتوظيفها في مكانها الصحيح، بل تتعدى ذلك بكثير وتؤثر مستقبلاً في حياتنا بشكل عام، وفي علاقتنا بجميع من حولنا سواء في البيت أو العمل، وتجعلك قادر على حرية وسهولة التعبير عن مشاعرك تجاه الآخرين بشكل لائق لا يسبب حرج، وربما هذا ما يفسر لك ظاهرة وجود كثير من حملة أعلى الشهادات لا يجيدون الحوار أو التعبير، مما يسبب لهم مشاكل كثيرة في حياتهم العملية والشخصية..

 
بالإضافة طبعا لدور حصة التعبير في تنمية اللغة، والذي كان من نتائج إهمالها سبب رئيسي نراه الآن في الأخطاء اللغوية والإملائية عند كثير من خريجي الجامعات، وفي كثير من الأحيان تجد موظفاً لا يجيد صياغة تقرير عن عمله أو مديراً لا يجيد صياغة خطاب ردا على جهة إدارية ما، وقد علمنا على مدار سنوات طويلة أن كتابا وصحفيين كانوا يكتبون الخطب للرؤساء، وهذا ما يفسر تباين واختلاف كبير بين خطابات الرؤساء بصرف النظر عن المحتوى، من حيث الأثر الذي يتركونه في نفوس الجمهور بالإيجاب أو بالسلب.. 


وقد نستطيع القول، أن التدهور في مستوى الخطاب، يعكس التدهور في التعليم بشكل عام وإهمال حصة التعبير بشكل خاص.. فإذا كان الله ميز الإنسان عن الحيوان ووهبه نعمة الكلام، فلك أن تتخيل ما هو الحال حين تتعامل مع إنسان مهما تفوق في تخصصه وعلمه لكنه لا يجيد الحديث..

 
وعلى الرغم أننا أدركنا قدرا من اهتمام الدولة بحصة التعبير، إلا أنه للأسف لم تكن حصة التعبير أوفر حظا من حصة الرسم، فلعلنا نتذكر أن معظم مواضيع التعبير كانت هي نفس مواضيع الرسم تقريباً، وطبعا طبقا للمناسبات كانت المواضيع الاعتيادية "حرب أكتوبر، فضل صيام شهر رمضان، عيد الأضحى المبارك، رحلة إلى الأهرامات، نزهة في القناطر الخيرية، فصل الربيع، عيد الأم، شم النسيم" ولا أتذكر مرة واحدة أن طلب منا مدرس التربية الفنية أو مدرس اللغة العربية أن نرسم أو نكتب مواضيع حرة وفقاً لما يتراءى لخيالنا..


هل تتذكر حضرتك مرة واحدة أن اختار مدرس اللغة العربية أي موضوع تعبير لأي طالب وطلب منه أن يقرأه أمام الفصل ثم ناقشه فيما كتبه من جمل أو عبارات أو مفردات استخدمها أو وظفها في مكانها الصحيح؟ أو وجه الطالب لتغيير مفردة ما لتكون أكثر دقة في الوصف والتعبير وتلائم السياق الذي كتبت فيه؟!


من ذكرياتي في حصة التعبير في المرحلة الابتدائية، يوم أن طلب منا المدرس أن نكتب موضوعاً في حب مصر، ثم قام بشرح عناصر الموضوع، قائلا: "وطنك الذي ترعرعت تحت سماه وشمسه الدافئة، وشربت من نيله العذب" وطلب منا كتابة تلك العناصر لكي نستعين بها، هنا توقف تركيزي عند كلمة "ترعرعت" وأول شئ خطر ببالي حينها كلمة "ترعة" وشرعت في تأملها وما علاقتها بالأخرى، وهل لأن الترعة مجرى مائي تروي الأراضي، يكون لها علاقة بالنمو أو الرعاية؟! 


ثم بعد ذلك وإجمالا لم تعجبني عناصر الموضوع، ببساطة شديدة وجدت نفسي أردد في تلك السن الصغيرة، أحب بلدي لأنها بلدي بدون أسباب، وهل إذا لم يكن بها نيل كنت سأكرهها؟! وأين يترعرع كل الناس؟ أليس تحت سماء بلدانهم؟ وأذكر يومها أني واجهت صعوبة شديدة في كتابة موضوع التعبير، وحتى حين استعنت بإخوانى الأكبر مني لم أقتنع بما قالوه لي من عبارات لكي أضيفها، واكتفيت أني كتبت ما أملاه علينا المدرس من عناصر وبطريقة مختصرة مقتضبة..


كنت أود أن أسأل مدرسي الرسم والتعبير "اللغة العربية" هل أنتم راضون عن هذا الأسلوب التعليمي؟!  وكم مرة اكتشفتم مشروع فنان أو كاتب أو شاعر من بين طلابكم بالمدارس؟ هذا إذا كانوا مؤهلين فعلا للاختيار والاكتشاف؟!!


وهل فيكم من اعترض أو أبلغ ملاحظاته للموجهين؟ مع ملاحظة طبعاً أنه لم نر مرة واحدة موجه للرسم يمر على الفصول، كما كان يحدث مع المواد الأخرى، وكذلك الحال بحصة التعبير، أما الآن أشفق عليهم وأعتقد أنه كان لديهم  العذر، خاصة مع العدد الكبير للطلبة الذي بلغ وقتها 48 طالبا، والذي يصل أحيانا الآن إلى 60 طالبا، عدد لا يمكن معه بأي حال من الأحوال أن أطلب من المدرس أن يمر على كل طالب لكي يشرح له كيف يرسم وجه، أو أتخيل أن بمقدوره أن يقرأ مواضيع التعبير قراءة الناقد الذي يُقَيِّم نصاً أدبيا، خاصة أنه كل منهما يدرس لأكثر من فصل وحصتي التعبير والرسم حصة أسبوعية وليست يومية..


أعتتقد أنه إذا أردنا النهوض والتقدم، فعلينا أن ندرك أن الاهتمام بالنشء والمواهب الصغيرة، وفي جميع المجالات؛ من شأنه أن يزرع الثقة في نفوسهم، ويحثهم بكل همة ونشاط على تطويره وهذا ما يولد الإبداع..