الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
أخبار مصر

القصة الحقيقية لـ مسلسل الحشاشين.. طائفة من المذهب الإسماعيلي

الجمعة 15/مارس/2024 - 09:54 ص
السبورة

القصة الحقيقية لـ مسلسل الحشاشين.. أثار مسلسل "الحشاشين" ردرود أفعال كثيرة، حيث كان الأكثر بحثا على جوجل؛ لأنه يناقش حقبة تاريخية مهمة في تاريخ الإسلام، احتلت وقتها "طائفة الحشاشين" مساحة جدلية في التاريخ الإسلامي، ودار المؤرخون في فلك روايات مشوشة، إذ يصف بعضهم الطائفة بـ"المدمنين المتعطشين للقتل والدماء"، ويراهم آخرون فرقة دينية قاومت السلطة "العباسيين والسلاجقة والفاطميين" أحيانًا، ووقفت ربما في وجه الغزاة "التتار والصليبيين"، ولكن الإجماع كان أن دعوة زعيمهم حسن الصباح الرئيسية، كانت نشر الطريقة الإسماعيلية الشيعية.

 

القصة الحقيقية لـ مسلسل الحشاشين.. تصدرت طائفة الحشاشين اهتماما كبيرا من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، ومحركات البحث على جوجل، مع بداية شهر رمضان، مع بدء عرض مسلسل "الحشاشين" بطولة الفنان  كريم عبد العزيز.

 

القصة الحقيقية لـ مسلسل الحشاشين.. أثارت طائفة الحشاشين جدلا كبيرا خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلادي، بعدما أسسها وتزعمها، حسن الصباح، واتخذت من قلعة حصينة وسط الجبال بشمال إيران، مركزًا للدعوة إلى المذهب الإسماعيلي، وكسبت الطائفة أتباعًا في إيران، وبلاد الشام، ومصر، ما جعلها تصطدم بعدد من الحكام، لطريقتها العنيفة، واغتيالها لعدد من الشخصيات السياسية والدينية.


القصة الحقيقية لـ مسلسل الحشاشين.. طائفة الحشاشين منبثقة عن المذهب الإسماعيلي وهي أول فرقة نفذت الاغتيالات السياسية المنظمة في الإسلام؛ نظرًا لنشأتها في ظل توترات كبيرة، ومطاردة أتباعها من قبل عدة جهات أبرزهم السلاجقة الأتراك المنتمين للمذهب السني، ثم الصليبيين الذين تحالفوا معهم في البداية لمواجهة صلاح الدين الأيوبي في مصر، ومحاولة اغتياله، ثم الانقلاب عليهم.. وذلك بحسب أستاذ التاريخ الإسلامي الدكتور أيمن فؤاد في تصريحات صحفية.

 

القصة الحقيقية لـ مسلسل الحشاشين.. قال الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة في كتاب "حركة الحشاشين.. تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية في العالم الإسلامي"، "ثبت لدينا بالدليل القاطع أن الحركة بريئة تمامًا من تناول الحشيش المخدر، وأن السبب الواقعي لتسميتها بهذا الاسم كما حققنا يرجع إلى مواقف صمودية كانت تقف في مواجهة ضروب الحصار التي كانت تفرضها عليها الجيوش لمدد طويلة، فكان يصمد الرجال في قلاعهم حتى بعد نفاد المؤن والأطعمة، معتمدين في طعامهم فقط على أكل الحشائش "العشب أو الكلأ"، ومن هنا جاءت تسميتهم بالحشاشين".


القصة الحقيقية لـ مسلسل الحشاشين.. أورد برنارد لويس المؤرخ البريطاني في كتابه "الحشاشون"، رسالة قس ألماني يدعى برو كاردوس رفعها إلى الملك فيليب السادس ملك فرنسا خلال تخطيطه للحملات الصليبية على المنطقة، قال فيها إن "الحشاشين يبيعون أنفسهم، ويتعطشون للدماء البشرية، ويقتلون الأبرياء مقابل أجر.. هم قتلة مأجورين سريين من نوع خطر وذوي مهارة خاصة".

 

القصة الحقيقية لـ مسلسل الحشاشين.. أوضح أحد المؤرخين أن بداية ظهور الحشاشين، كطائفة منظمة، في القرن الحادي عشر الميلادي، حيث كان الاضطراب السني الشيعي، سمة العصر في هذه الحقبة التاريخية، ويبرز اسم حسن الصباح، مؤسس الفرقة، الذي ترجح أغلب الروايات مولده في العام 1037 الميلادي، بمدينة قم جنوبي العاصمة الإيرانية طهران، احد مراكز الشيعة الإثنى عشرية، ثم انتقلت عائلته إلى الري مركز نشاطات طائفة الإسماعيلية، وهناك اعتنق الطريقة، وعمره 17 عامًا تقريبًا.


القصة الحقيقية لـ مسلسل الحشاشين.. حسن الصباح، هو المؤسس الحقيقي للفرقة السرية التي أثارت الرعب فى العالم لعقود طويلة، وكانت بداياته عادية لا تبشر بتحوله إلى زعيم إرهابي إذ بدأ مهتمًا بالعلم والفلسفة، لكنه تحول لأهم جماعة سرية إرهابية تتحصن بالقلاع الشاهقة، ويهبط أتباعها للقيام بعمليات اغتيال إرهابية تبث الرعب فى قلوب الناس، ووصفها المستشرق الأمريكى برنارد لويس، بـ "التنظيم الإرهابي الأول في الإسلام".


حكاية الأصدقاء الثلاثة

تربط الروايات بين 3 أسماء: "حسن الصباح" زعيم طائفة الحشاشين، و"نظام الملك"، وزير ألب أرسلان سلطان السلاجقة الذين حكموا معظم إيران، وأجزاء من الشام في القرن الحادي عشر الميلادي، و"عمر الخيام"، الشاعر والعالم الفلكي، والذي غنت الفنانة المصرية الراحلة أم كلثوم رباعيته في خمسينيات القرن الماضي، عن ترجمة الشاعر المصري أحمد رامي.

 

إن هناك روايات تؤكد أن الصباح كان على صلة بالشاعر الفارسى الشهير عمر الخيام، فيما أورد "الخشت" في كتابه، إحدى المرويات عن علاقة الشخصيات الثلاث، تقول إنهم كانوا أصدقاء طفولة، و"أقسموا وهم صغار يطلبون العلم أن يقتسموا جميعًا ما عسى أن يواتي أي أحد منهم من حظ طيب"، وكان أولهم وصولًا، نظام الملك، وبعدما أصبح وزيرًا للدولة السلجوقية، طالبه زميلاه بالوفاء بالعهد، فعرض على كل منهما تولي إحدى الولايات، ولكن كلاهما رفض لسبب مختلف، فعمر الخيام كان يريد الحصول على راتب سنوي يمكنه من حياة الشعر والفكر والتأمل، بعيدًا عن مسئوليات الحكم وهمومه، وأما حسن الصباح فكان يتطلع إلى منصب في بلاط الحكم، أملًا في الوصول لمنصب وزير.


أشار الخشت، إلى إن "هذه الرواية يشوبها البطلان، بسبب أدلة عدة يسوقها التحليل التاريخي، فمن المستبعد أن يكون حسن الصباح صديق دراسة لنظام الملك، فالأخير ولد قبل الأول بحوالي 20 عامًا، فضلًا على أن المصادر التاريخية تنص على أن زعيم الحشاشين تلقى تعليمه بمدينة الري، وليس نيسابور التي تعلم بها وزير الدولة السلجوقية".

 

لفت: "لكن عمر الخيام تاريخ مولده مجهول مما يجعل من الصعب استبعاد صداقته بحسن الصباح تحديدًا، خصوصا أن تاريخ وفاتهما متقارب (عمر الخيام توفي 515 هجرية، وحسن الصباح 518 هجرية)، كما أن مشربهما العلمي واحد، فكلاهما درس الرياضيات، والفلك، وعلوم الدين، والفلسفة".

 

ألمح كتاب "حركة الحشاشين" إلى أن نظام الملك أو أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، أصبح العدو الأول والخصم اللدود لحسن الصباح، وله مؤلف شهير في النثر الفارسي هو "سياسة ناما" أي "كتاب فن الحكم" ويوصي فيه الشعب والملك التمسك بأصول الدين، وحارب حركة الحشاشين حربًا لا هوادة فيها لأنه كان يرى أنها تهدد وحدة الدولة.


حسن الصباح

تقول إحدى الروايات إنه عقب رحلة من التنقل لطلب العلم وحشد أنصار دعوته، بدأت في 1072 من غرب إيران والعراق، فمدينة أصفهان، ثم مصر التي وصلها في 1079، حيث شمله حاكمها الفاطمي المستنصر، برضاه، وارتبط بعلاقة وثيقة بـ"نزار بن المستنصر"، ولم تدم إقامته أكثر من 18 شهرًا، أمام اضطهاد قائد الجيش بدر الجمالي، الذي كان يخشى من نفوذه، فقرر المغادرة.

 

ركب حسن الصباح سفينة من الإسكندرية في 1080، ووصل في النهاية - بعد رحلة خطرة كاد يغرق فيها أمام شواطئ الشام - إلى مدينة أصفهان، وأخذ يدعو لمذهبه، ولنزار "أكبر أولاد الخليفة المستنصر الفاطمي" في إيران.

 

تنقل حسن الصباح داخل إيران تقريبًا 9 سنوات، ثم قرر نشر الدعوة منطلقًا من إقليم الديلم ومازندران، وكان يتفادى المدن في تنقلاته ودعوته، ويفضل أن ينتقل عبر الصحراء، حتى استقر في منطقة دامغان، وحولها إلى قاعدة للدعوة الإسماعيلية، يبعث منها الدعاة إلى المناطق الجبلية لجذب الناس، واستمر حتى أصبح خطرًا داهمًا على الوجود السلجوقي في إيران، ما دفع الوزير نظام الملك للتخطيط لاعتقاله، لكنه تمكن من الهرب إلى قزوين.


قلعة ألموت

اشارت إحدى الروايات، إلى أن حسن الصباح في تنقلاته لم يهدف فقط لنشر دعوته وكسب الأنصار، بل للعثور على مكان مناسب يحميه من مطاردات السلاجقة، ويتمكن من جعله قاعدة مستقرة وآمنة لنشر دعاته في إيران، لذا عزف عن المدن، ثم وجد هدفه في قلعة ألموت.

 

أورد كتابا "حركة الحشاشين" و"الحشاشون"، أن قلعة ألموت كانت حصنًا قديمًا فوق صخرة عالية في منطقة وعرة وسط الجبال على ارتفاع يبلغ حوالي 6 آلاف متر بهضبة الديلم، شمال إيران، وبنيت بطريقة شديدة الإحكام، فليس لها إلا طريق واحد فقط للوصول إليها، مما يصعّب على الغزاة اقتحامها، ولم يعرف على وجه الدقة أول من بنى هذه القلعة، ويقال إن من بناها هو أحد ملوك الديلم القدماء وأسماها (ألوه أموت) ومعناها "عش النسر"، ثم جددها أحد حكام المنطقة المحليين سنة 860م، واستولى ابن الصباح عليها في 1090.


رواية المستكشف الإيطالي مارك بولو عن قلعة ألموت

توجد رواية متداولة للمستكشف الإيطالي مارك بولو عن قلعة ألموت كتبها حوالي 1272، يقول فيها إن "شيخ الجبل الذي يطلقون عليه في لغتهم (علاء الدين)، قد عزل وادي بين جبل جبلين، ثم حوله إلى حديقة غناء، وزرع فيها كل أنواع الفاكهة، وتوجد بها أنهار من من خمر ولبن وعسل مصفى، فضلًا عن أنهار الماء".

 

ومن جانبه، أشار المستكشف الإيطالي مارك بولو: "جعل شيخ الجبل، نساء فاتنات، يقمن بخدمة من بالحديقة والتسرية عنهم، حيث يتقن عزف الموسيقى، ويغنين بأصوات رائعة، ويرقصن رقصات تذهب العقول، وكان يريد من وراء ذلك، بأن يقنع أنصاره بأن هذه هي الفردوس الحقيقية".

 

من جهته ألمح: "يأمر شيخ الجبل بإعطاء نوع من الشراب لعشرة من الشبان، وإذا صرعهم النوم، أمر بحملهم إلى القصر، فإذا استيقظوا صعقوا من البهجة، والمناظر والحياة الرغيدة مع الجميلات، وأنواع الأكل واللحم والخمور، ثم يخرجهم بعد مدة، فيحدثهم شيخ الجبل أنهم كانوا في الفردوس، وإن أرادوا الرجوع إليه، عليهم طاعته طاعة عمياء، فيوافقون".

 

وفي سياق متصل تقول إحدى الروايات: زعيم الحشاشين كان يطلق على أتباعه "الفدائيين"، وهم الذين يقومون بالعمليات الإرهابية؛ إذ يتم اختيارهم فى سن صغيرة، حتى تتم السيطرة عليهم فكريا ودينيا مع قدرتهم على تحمل التدريبات العسكرية الشاقة، وكانت تتم السيطرة عليهم نفسيا ومعنويا من خلال جرعات من المخدر، وإدخالهم حدائق الغناء، فيتصورون أنهم فى الجنة، وبعد ذلك يتم دفعهم إلى القيام بالعمليات الإرهابية، مع وعدهم بأنهم إذا قُتِلوا سوف يدخلون الجنة التى عرفوها من قبل، ورجح البعض أن هذا المخدر الذى شاع استخدامه بينهم هو الحشيش، وأنه وراء التسمية التى أُطلقت عليهم.

 

نهاية الحشاشين
 

البداية الحقيقية لمواجهة السلاجقة كان في 1092، لحسن الصباح؛ حيث بعث السلطان ملكشاه حملتين واحدة على قلعة ألموت والثانية على قوهستان القريبة؛ لكن الفرق العسكرية الإسماعيلية المدرّبة تصدت للسلاجقة، وبمساعدة من الأهالي المتعاطفين معهم في رودبار وقزوين اضطر السلاجقة إلى الانسحاب، خاصة بعد وفاة السلطان ملكشاه في العام ذاته، وفق كتاب "الحشاشون".

 

ضرب حسن الصباح ضربته الكبرى باغتيال الوزير نظام الملك الطوسي، بعد عدة أسابيع فقط من وفاة السلطان ملكشاه من نفس العام 1092، وقد كان اغتيال نظام الملك من أوائل عمليات الاغتيال الكبرى التي قام بها الحشاشون؛ بل كانت بداية لسلسلة طويلة من الاغتيالات التي قاموا بها ضد ملوك وأمراء وقادة جيوش ورجال دين.

 

وبحسب الروايات، ظل حسن الصباح في قلعة ألموت الحصينة، ولم يخرج منها طوال 35 عامًا حتى وفاته، وكان يقضي معظم وقته في القراءة والمطالعة، والتخطيط لنشر المذهب الباطني الإسماعيلي النزاري، ومراسلة الدعاة وتجهيز الخطط، وكان همه الأول كسب الأنصار والمؤيدين الجدد، والسيطرة على القلاع والبقاع الجديدة التي تسهم في توسيع النفوذ بتلك النواحي.

 

وعلى الرغم من وفاة حسن الصباح، فإن الصراعات المسلحة استمرت بين الإسماعيلية الباطنية، والسلاجقة وتوسعت مناطقهم، وتمكن الحشاشون من الاستيلاء على قلاع جديدة، لكن السلاجقة استطاعوا احتواء خطرهم سنة 1107م عندما استولى السلطان محمد السلجوقي على قلعة شاه دُز بالقرب من أصفهان، وقتل عددًا كبيرًا منهم، وفق الروايات التاريخية.

 

بقي خطر الحشاشين قائمًا بوجود قلعة ألموت الحصينة، وتتابع خلفاء حسن الصباح على نشر دعوته، وصولًا إلى العام 1256 ميلادية، عندما استطاع التتار اقتحامها، وتدمير كل القلاع المحيطة، حسب كتاب "حركة الحشاشين"، لتتخذ الطائفة فصلًا تاريخيًا جديدًا نحو السرية والتخفي في ثوب الصوفية.

 

وأخيرا وليس آخرا.. يعتقد الدكتور أيمن فؤاد أستاذ التاريخ الإسلامي، أنه لم يكن لهم تأثير قوي في حركة التاريخ الإسلامي، والحديث عنهم أخذ منحى مبالغا فيه، جراء الغموض الكبير الذي يحيط بهم، وتضارب الروايات حول حقيقتهم، والهالة المرسومة حول زعيمهم حسن الصباح، وطالب بالرجوع للدراسات المتخصصة التي تناولت سيرتهم، وعدم الانسياق وراء السرديات غير الموضوعية.