الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
محمد ابراهيم نافع
رئيس التحرير
محمد الصايم
مقالات

الإرهاب والامتحانات وإسقاط الدولة

الثلاثاء 07/يونيو/2016 - 07:49 م

تواجه الدولة المصرية العديد من التحديات بعد ثورة يونيو يأتي في مقدمتها اصلاح ما أفسده الدهر علي مدار عقود في كافة المجالات من انهيار في البنية الأساسية وفساد بمختلف أنواعه وإرهاب تمثل مصر جوهرة التاج بالنسبة له.

وتتمثل أخطر التحديات في الإرهاب والفساد، وإن كان الإرهاب عدو ظاهر أحياناً كما يظهر في سيناء في الجماعات الإرهابية التي يواجهها جيشنا العظيم فإن الفساد هو العدو الخفي لأنه يكمن في كل مفاصل الدولة، وهو ما ظهر وبشكل فادح فاضح في امتحانات الثانوية العامة لهذا العام.

فرغم تكرار تسريب الامتحانات علي مدار السنوات الماضية إلا أن ذلك كان يحدث بعد بدء الامتحان بدقائق فلا يستطيع الاستفادة منه إلا القليل ويجعل من الممكن أن يكون من ينشر الامتحان حصل عليه من أي طالب من النصف مليون طالب الذين يؤدون الامتحان. لكن ما حدث هذا العام هو الفساد بفجور لا يستهدف فقط مجرد تسريب امتحان بخطورة امتحان الثانوية العامة بل يستهدف إسقاط هيبة الدولة بشكل كامل والقضاء علي جيل آخر في مرحلة التكوين.

إن ما حدث هذا العام من تسريب لامتحان اللغة العربية وتسريب الإجابات النموذجية له، بل وتسريبه عن طريق أحد مدرسي الدروس الخصوصية في الهرم قبل الامتحان بساعات، وبعده تسريب امتحان التربية الدينية قبل بدء الامتحان مما دعى الوزارة لإلغاء امتحان التربية الدينية في واقعة لم تحدث في تاريخ الثانوية العامة في مصر هو دليل واضح على أن ما يحدث من تسريب يتم من داخل الوزارة نفسها. وفشل الجهات الأمنية في الوصول لأصحاب الصفحات التي تسرب الامتحانات يجعل هناك كثير من الشكوك في قدرتها علي محاربة الإرهاب الالكتروني والجماعات الارهابية التي تستعين بالوسائل التكنولوجية الحديثة في الإرهاب.

تزامن تسريب الامتحانات مع فعل آخر لا يقل عنه إجراماً هو نقل ما يصل إلي 120 طالب إلى مدرسة بعينها هي مدرسة البدارى الثانوية بأسيوط وهي المدرسة التي حدثت فيها من قبل حالات غش جماعي وأعلن الوزير أنه لن تجرى بها امتحانات هذا العام لنفاجأ بأن الامتحانات تجري بها كالمعتاد ويزيد على ذلك نقل هذا العدد من أبناء الكبار من أبناء ظباط الشرطة والقضاة ونواب مجلس النواب وكبار المسئولين بالمحافظة وهو ما يؤكد حدوث غش جماعي بهذه اللجنة. هذه الحالة هي التي ظهرت وتم نشرها في وسائل الإعلام وبالتأكيد هناك حالات أخرى لم يتم الكشف عنها. وهذا معيار لسلوكيات هؤلاء الأهالي في عملهم فمن يساعد أولاده علي الغش ويحرضهم عليه ويهيئ لهم سبله يستحيل أن يكون مستقيماً في عمله ملتزماً بالقوانين والأخلاق بل هو فاسد حتى النخاع وإلا ما قام بمساعدة أولاده علي الغش.

إن ما تكشف في اليوم الأول لامتحانات الثانوية العام ليس فقط تسريب امتحانات وإجاباتها، وفساد لأجل غش جماعي لبعض أبناء صغار الكبار، بل هو تدمير لجيل كامل ينشأ على أن الغش هو الأساس. فالطالب الذي اجتهد وذاكر طوال العام يتساوى بل ربما يقل عن ذلك الذي لم يبذل أي جهد إلا في اليوم الأخير بالغش من مواقع الفيسبوك، أو ذلك الذي يساعده أهله علي الغش بحكم مناصبهم. فيفقد الطالب المجتهد الإيمان بكل القيم والمثل العليا وهو يرى أحلامه تضيع علي يد مجموعة من الفاسدين وشركائهم. أما الغشاشين فهم وقد بدأوا حياتهم بالغش لن يتوروعوا أبدا عن الغش في الجامعة ثم الوصول إلي أفضل المناصب الغش والوساطة والمحسوبية. أما الأهالى الذين يساعدون أولادهم بالغش في الحصول علي ما ليس من حقهم فكيف يمكن أن ينتظروا أن يكون أبنائهم علي خلق قويم وهم من ساعدوهم علي أن يتخلوا عن كل قيمة أخلاقية.

إن ما حدث في امتحانات هذا العام يؤكد وبشكل لا نقاش فيه أننا نعيش في أقصى درجات الانهيار الأخلاقي والقيمي بعد أن أصبحت القيم والمثل العليا الدينية والأخلاقية مجرد شعارات فقط فنحن نساعد علي الغش وندعو له ونساعد أولادنا علي الغش ونتوسط للنقلهم للجان يستطيعون فيها الغش ونحن نصلي ونذكي ونصوم وندعو الله أن يقف معنا في حالة أشبه باللص الذي يسرق وأثناء سرقته يدعو الله بالستر.

إن خطورة الغش والفساد وفاتورته علي المجتمع أكبر بكثير من فاتورة الإرهاب، فإن كان الإرهابي يقتل شخص أو مجموعة أشخاص فإن من يساعد علي الغش يقتل المجتمع كله سواء من يغش أو من يرفض الغش ويري الغشاشين يتصدرون المشهد في كل شئ.

إن خطر الغش والفساد لا يقل عن خطر الإرهاب إن لم يزد عليه وعلي الدولة إن أرادت أن تبقي وتستمر أن تحاربه بكل قوة وحسم وأن تصدر أحكام فورية ومشددة ضد كل من يشارك فيه سواء بالتحريض أو المساعدة أو الفعل خاصة في ظل تحدي القائمين بهذه العملية للدولة وتهديدهم بتسريب باقي الامتحانات. مع إلغاء فوري لكل اللجان التي يثبت وجود غش جماعي بها. وقبل كل ذلك محاسبة فورية لكل من يثبت تورطه المسئولين عن الامتحانات ليس بالنقل أو الإقالة بل بالسجن المشدد حتى يكونوا عبرة لغيرهم من الفاسدين المفسدين في كل قطاعات الدولة.

 

وبالتأكيد فإن إقالة الوزير وكل مسئوليه أمر لم يعد من المجدي الحديث فيه لأنه أصبح واجباً بعد أن ظهر افتقار كل القائمين علي التعليم العام والعالي للرؤية الإصلاحية الحقيقية